الاجتهاد والتفقّه فی الدین - قراءة تقویمیّة تطویریّة-
الدکتور علی أکبر صادقی رشاد[1]
خلاصة:
یکمن الاجتهاد الناجع والتفقّه المواکب للعصر فی الفهم الموافق للفطرة، والنابع من العقل، والناظر إلى النصوص الدینیّة فی ضوء الظروف المحیطة. وهو یُعنى بتنسیق المعرفة الدینیّة وتنقیحها وتعمیمها وتوسیعها ومواکبتها للعصر.
والواقع أنّ کلّاً من الاجتهاد السائد والمعرفة الدینیّة المهیمنة على ساحتنا، بحاجة إلى نقد دقیق وشامل؛ نتیجةَ إصابته الیوم بحالةٍ من الانسداد والعطل، بعد أنْ کانت بنیته تقوم على رفع الانسداد! بسبب تضییق دائرة معنى الاجتهاد فی "الاجتهاد" نفسه، وتقیید مجالات الاجتهاد، وصیرورة الاجتهاد تقلیداً فی الفقه الفردیّ.
وعلیه، ینبغی فی البحث الدینیّ مراعاة ثمانیة أمور؛ وهی: الاجتهاد فی الاجتهاد، وإحیاء العلوم المهجورة، ونقد العلوم المتعارفة والمتداولة حالیّاً، وتنقیح العلوم والنصوص السائدة، وتنسیق قسمٍ من العلوم الدینیّة، والإبداع والتجدید، وإرساء أسس بعض المعارف الجدیدة، وإیجاد منظومة تعلیمیّة-بحثیّة تقوم على تخصّصیّة الدراسة والبحث وموسوعیّة الإفتاء والاستنباط.
ولا بدّ للاجتهاد والتفقّه السائد والرائج فی واقعنا المعاصر من إجراء دراسة تقویمیّة للمباحث المطروحة بشکلٍ عامٍّ فی العلوم المنهجیّة الدینیّة -کأصول الفقه، والمنطق، وعلم التفسیر ومناهجه، وعلم الحدیث-؛ بهدف استنباط مبادئ فهم الدین وضوابطه وقواعده ومقارباته ومناهجه، وتسلیط الضوء على حالات القصور التی تعانی منها مناهج التفسیر، واستخراج أسالیب لتمییز الغثّ من السمین فی الاستنباطات الدینیّة، وعرضها وتنسیقها وإکمالها بوصفها حقلاً معرفیّاً، وحتى فرعاً علمیّاً مستقلاً.
مصطلحات مفتاحیّة:
الاجتهاد، التفقّه، الفقاهة، الدین، فهم الدین، الزمان، المکان، المعرفة الدینیّة، إحیاء العلوم، نقد العلوم، تنقیح العلوم، تنسیق العلوم، إبداع العلوم، تجدید العلوم، الفقه التقلیدی، الفقه الفردی، الفقه التجدیدی، أساسیّات البحث الدینیّ، المنهجیّة الدینیّة.
مقدّمة: الاجتهاد.. المفهوم والمرتکز والوظائف:
یُعدّ دخول العقل فی میدان فهم الدین ضمانة لحیویّته وجدواه فی الحیاة الإنسانیّة، کما إنّ ورود العلم بالزمان فی ذلک الحقل یؤمّن مجاراة تعالیمه للعصر؛ فلا یمکن أن یأخذ کلٌّ من الاجتهاد والتفقّه معناه أصلاً ما لم نشترط وجود عاملَی "التعقّل" و"العلم بالزمان" فی مقام فهم الدین، فی حین یؤدّی إلغاؤهما إلى إصابة الدین بداء التحجّر والجمود، کما یؤدّی فرضهما على النصّ الدینیّ إلى حالةٍ من الانتقائیّة و"العصرَنَة"، من خلال اللّجوء إلى عملیّة "تحریف الکلِم عن مواضعه"، وقد عانى المسلمون طوالَ القرون الماضیة من أحد الداءَین أو من کلیهما.
ویکمن الاجتهاد الناجع والتفقّه المواکب للعصر فی الفهم الموافق للفطرة، والنابع من العقل، والناظر إلى النصوص الدینیّة فی ضوء الظروف المحیطة؛ فالتفقّه یعنی "الوحی والسنّة"، ویُضاف إلیهما کلٌّ من "العقلانیّة المحضة" و"العلم بالزمان".
ومن أشهر الأدلّة النقلیّة وأقواها على جواز الاجتهاد أو لزومه التمسّک بآیة "النفر": {وَمَا کَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ}[2]؛ حیث یعنی "التفقّه" الوارد فیها إعمال الفهم والفکر، کما إنّ المقصود من "الدین" کامل منظومته، لا قسمٌ خاصٌّ منه؛ کالأحکام -مثلاً-. أمّا "الإنذار"، فلا یتحقّق إلا عبر طرح التعالیم الدینیّة ومعطیاتها من کافّة الزوایا والأضلاع، ولیس من خلال الاکتفاء باستعراض الأحکام فقط؛ إذ لا یتّسق مفهوم "الإنذار" مع ذلک، کما لا یتحقّق إلا من خلال عرض الحقائق التی یلزم إدراکها والإیمان بها -أی الاعتقادات- حیث إنّ فهم الصفات الإلهیّة الجلالیّة أشدّ وقعاً فی عملیّة الإنذار من معرفة أحکام الطهارة، کما إنّ التعریف بالمعاد أدعى إلى الإنذار أضعافَ المرّات من التعرّف على الطهارة والصوم والصلاة، فضلاً عن دور الأخلاق التی لا تقلّ أهمّیّةً فی خلق حالة الإنذار؛ إذ لا ینحصر التحذیر والإنذار بتلقین الواجبات الدینیّة (الأحکام)، فللتوجیهات التربویّة والسلوکیّة -فی أحد أبعادها- وظیفة شبیهة بنظیرتها فی الأحکام، لکنّهما لا یبلغان معاً مستوى العقائد فی أداء وظیفة الإنذار[3].
وتشکّل "الرسالة" الحلقة الأولى فی سلسلة الهدایة الإلهیّة، تلیها "الإمامة"، ثمّ "الفقاهة" والاجتهاد -بمعناه العامّ-؛ بوصفه امتداداً للإمامة. وللاجتهاد -بمعناه العامّ- أربع وظائف أساسیّة:
1. تنسیق المعرفة الدینیّة:
إنّ من أولى وظائف الاجتهاد -بمعناه العامّ- استنباط المبادئ (العقائد)، والتعالیم اللّازمة (الأحکام)، والتوجیهات السلوکیّة (الأخلاق)، وتنظیم تلک الحقول.
2. تصحیح المعرفة الدینیّة وتنقیحها:
حیث یقوم الاجتهاد بدور تقویم المعرفة الدینیّة، وتشخیص آفاتها، ونقدها، وتصحیحها، وتنقیحها؛ فعندما یتعرّض فهم الدین للخطإ، یُلجأ إلى منطق الاجتهاد؛ بهدف تمییز الصواب من السراب، والحؤول دونَ اقتراف الأخطاء، ولأجل تصحیح فهمنا للدین.
3. تعمیم معارف الدین وتوسیعها:
یلعب الاجتهاد دوراً أساسیّاً فی کشف زوایا الدین الخفیّة، وبسط معارفه؛ إذ لا تتبلور الآراء الجدیدة والنظریّات المبتکرة إلا بواسطته، ولا یواکب الدین توسّع المعارف البشریّة وتشعّب قضایاها إلا من خلاله؛ فلا مبرّر لخاتمیّة الدین إلا بالإمامة والاجتهاد.
4. تجدید الدین ومواکبته للعصر:
یکتسب الدین حالة التجدّد بالتفقّه والاجتهاد -بمعناه العامّ-، الذی یحمل على عاتقه مسؤولیّة مواکبة الأحکام والأخلاق الدینیّة لشروط حیاة البشر المتغیّرة، من خلال تجدید لغة الدین، وتطویر أدبیّاته، وکسر حالة الجمود والتصلّب.
هذه هی أبرز وظائف الاجتهاد بالمعنى المتقدّم، ولکنّ السؤال الذی یطرح نفسه فی هذا السیاق هو: هل یتماهى مفهومنا للاجتهاد مع ما هو سائد فی یومنا هذا؟
الواقع أنّ کلّاً من الاجتهاد السائد والمعرفة الدینیّة المهیمنة على ساحتنا، بحاجة إلى نقد دقیق وشامل؛ نتیجةَ إصابته الیوم بحالةٍ من الانسداد والعطل، بعد أنْ کانت بنیته تقوم على رفع الانسداد!
فمنذ قرونٍ عدیدةٍ، ونحن نعانی من الرکود والرکون فی حقل الأبحاث الکلامیّة؛ إذ -فضلاً عن کتاب "شوارق الإلهام"[4]- لا یزال کتاب "تجرید الاعتقاد" للخواجة نصیر الدین متبوّئاً قمّة الأعمال المکتوبة فی مجال الإلهیّات، جاذباً إلیه عشرات الشروح والتعلیقات، منها: "کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد" للعلامة الحلّی[5]، و"شرح القوشجی"[6].
وکلّما ابتعدنا عن أمثال تلک الآثار المعدودة، لا نکاد نصادف عملاً فی حجمها، حتى عصرنا الحالیّ؛ إلا ما قام به ثلّة من العلماء فی الحوزة العلمیّة،کالأستاذ الشهید الشیخ مرتضى مطهّری (قده)، الذی ألّف مجموعةٍ من الرسائل والمقالات، استعرض من خلالها الرؤیة الإسلامیّة للکون، مشیّداً بها "علم الکلام الجدید" فی إیران[7].
أمّا الفلسفة، فقد طوت -منذ عصر صدر المتألّهین الشیرازی (قده) حتى عهد العلّامة الطباطبائیّ (قده)- ثلاثة قرون من التعلیق على تعالیم الملّا صدرا[8] وتکرارها، والإصرار على تقدیم مشروعٍ عقیمٍ للحکمة، إلى أن قیّض الله لحوزة قم المقدّسة رجلاً من صمیمها، انبرى لکسر حالة الرکود والجمود وتجدید الفلسفة الإسلامیّة، مُرسیاً صرح الفلسفة الصدرائیّة الجدیدة من خلال تألیف "مبادئ الفلسفة والمنهج الواقعیّ"[9]؛ حیث کان ما کُتِب قبله فی هذا الخصوص لم یتعدّ حدود التعلیقات والحواشی والتذییل والشرح للنصوص السابقة، ولاسیّما لفلسفة الملا صدرا.
وقد شهد میدان الفقه والأصول -طوال قرون- تحوّلات عدیدة صعوداً وهبوطاً، یکاد یدفعنا إلى وصف وضعه بالسیّئ نسبیّاً، لولا دور بعض العلماء وإسهاماتهم -کالآخوند الخراسانی فی الأصول[10]، والشیخ الأعظم الأنصاریّ فی الأصول والفقه[11]، وصاحب الجواهر النجفیّ فی الفقه[12]- ولاسیّما منذ اجتیاح أمواج الحداثة لبقاع العالم الإسلامیّ، وفرض الحیاة العصریّة نفسها على علاقات المسلمین، مفرزة متطلّبات جدیدة، وطارحةً مسائل مستحدثة عدیدة، من دون أن تلقى إجاباتٍ مناسبة من الفقه الذی أضحى یعانی من جرّاء ذلک حالة انفصال مستفحلة عن العصر.
أمّا فی میدان الأخلاق، فقد اشتدّت حالة الرکود فی حقل المعارف الأخلاقیّة؛ إذ لم نشهد عملاً ممیّزاً ذا جدوى فی المسائل الأخلاقیّة البنیویّة، على الرغم من غنى مصادرنا بمفاهیم دقیقة وقیّمة وراقیة، حتى لا یمکننا أن نلمح نماذج یصدق علیها عنوان التحف الأخلاقیّة.
وقد تمّ تجاهل موضوع الدراسات التربویّة بشکلٍ کامل، مع أنّه یُعدّ رکن المعرفة الدینیّة الرابع؛ إذ تتمثّل رسالة الدین الأساسیّة فی بناء الفرد، والاهتمام بالمجتمع، وبدونها لا تبلغ الإنسانیّة من الدین غایتها.
بناءً على ما تقدّم، ینبغی علینا أن نطرح السؤال الآتی: أین تکمن المشکلة؟
أولاً: آفات الاجتهاد السائد والتفقّه الرائج:
ترجع مشکلة الاجتهاد السائد والتفقّه الرائج إلى عوامل ثلاثة، هی:
1. تضییق دائرة معنى الاجتهاد فی "الاجتهاد" نفسه وترکه فی زاویة النسیان، فصار استخدام منطق الاجتهاد مقتصراً على الفقه، وخرجت الأخلاق والعقائد -وحتى فنّ الاجتهاد نفسه- من دائرة الفعل الاجتهادیّ.
2. تقیید مجالات الاجتهاد، حتى أضحت سیاسیّات الفقه واجتماعیّاته مهجورةً، على الرغم من أنّها تشکّل المجال الأغلب الذی یُبتلى به الناس، والأکثر خصوبة لبروز مسائل مستحدثة تستدعی الاجتهاد والإبداع.
3. صیرورة الاجتهاد تقلیداً فی الفقه الفردیّ؛ نتیجة رواج "الفقه المنتقل من صدر إلى صدر" ومن "جیل إلى آخر"؛ بما أفقده روح الاجتهاد بمعناه الدقیق والحقیقیّ، فأضحى الطالب لاإرادیّاً مقلّداً لأستاذه! لأنّ درسه لیس سوى تقریر لدرس أستاذه! وهذا النوع من الاجتهاد عقیم حتى فی الفقه الفردیّ؛ لخروجه من دائرة الاجتهاد، واقتصاره على تکرار استنباطات الفقیه السابق، وإعادة تدویره، فی تجسیدٍ لحالة التعطیل والانسداد التی یعانی منها الاجتهاد.
والصحیح أنْ یجری فهم الدین بکامل أبعاده -بالمعنى العامّ وبصورة نسبیّة- بشکل اجتهادیّ، ولاسیّما فی ما یخصّ أصول العقائد التی لا تقبل التقلید ذاتاً؛ فالاعتقاد یرفض التقلید فی مقام الثبوت، فلا یمکن القول إنّ حالة الإیمان تتبلور فی نفسی؛ نتیجة ما یقوله فلان أو یفکّر فیه!
إنّ الإیمان -بوصفه عقداً نفسیّاً یقوم على التفکّر والتعقّل- یفرض على الجمیع لزوم الاجتهاد فی المجال العقدیّ، وقبول أصول الدین اجتهاداً ومنطقاً؛ حتى لا یجوز القول: بما أنّ الإمام الصادق (ع) قال إنّ الله واحد، فهو کذلک؛ لأنّنا لم نقبل حجّیّة قول المعصوم (ع) وفعله إلا على أساس استدلالات عقلیّة؛ ما یعنی أنّ تبنّی قول المعصوم (ع) یستند إلى دعامة عقلانیّة، ما یسمح لکلامه أن یقع کبرى عملیّة القیاس بصورة حتمیّة؛ نتیجةَ تحقّق تلک الحجّیّة وقطعیّتها.
کما لم یقبل عامّة الناس مبدأ لزوم التقلید فی الأحکام إلا على أساس التعقّل والاجتهاد الإجمالیّ، وهو مذکور فی أوّل مسألة ضمن الرسالة العملیّة[13]، لکنّ السؤال الذی یطرح نفسه: ما مدى التزامنا بالاجتهاد فی المجال العقدیّ فی یومنا هذا؟ وهل صرنا نتعامل معه مجالاً لا یمتّ إلى دائرة الاجتهاد بصلة!
وفی مجال الأخلاق والتربیة، کم عملاً اجتهادیّاً قُدِّمَ؟ وهل یجری استنباط الأخلاق والتربیة الدینیّة من منابعها؟ وهل تطبّق وظائف الاجتهاد الأربع فی میدان الأخلاق والتربیة، وتستثمر مخرجات التفقّه فیه؟ وأیّ مجتهد یتصدّى الیوم للتفکیر بالاجتهاد فی ذلک الحقل؟
فی الفترة التی سبقت انتصار الثورة الإسلامیّة فی إیران، تراکم غبار النسیان على أکثر أبواب الأحکام والأخلاق، ولاسیّما تلک التی لها علاقة بأفعال المکلّفین وما لها طابع جماعیّ.
ولا زالت سیاسیّات الفقه واجتماعیّاته مستبعدة من التناول، مع الاکتفاء -نوعاً ما- بدراسة الفقه وتدریسه ودراسته من جوانبه الفردیّة والعبادیّة فحسب؛ ما خفّف من وطأة صعوبة تدریس بابَی الطهارة والصلاة؛ نتیجة الکم الهائل ممّا قیل وکُتِب فیهما، حتى أغنتنا عن تخصیص مزید من الجهد والبحث والوقت فی دراستهما وتدریسهما، فضلاً عن أنّ المسائل المستحدثة غالباً ما تبرز فی مجالات السیاسة والاجتماع والمعاملات والعقود والإیقاعات، فکم من الحالات والموارد فی أبواب الطهارة والصلاة والصوم یمکن أن نعثر فیها على مسألة جدیدة وموضوع غیر متطرّق له کلّ عام؟
وفی المقابل، لو ألقینا نظرة على حقل المعاملات، لوجدنا کمّاً هائلاً من المسائل المستحدثة المعقّدة والموضوعات المستجدّة ذات التعاریف الفریدة، وهی تفرض نفسها یومیّاً فی عصرنا الحالیّ، لم یتناولها فقهنا بعد.
إنّ فقه السیاسة والاجتماع هو ما تصدق علیه عبارة المعصوم (ع) الواردة فی الروایات المأثورة "الحوادث الواقعة"[14]، وهی تستدعی الاجتهاد؛ فکلّ تحوّل تشهده السیاسة والاقتصاد والمعاملات هی من مصادیق "المسائل المستحدثة" و"الحوادث الواقعة".
ثانیاً: أساسیّات البحث الدینیّ:
ینبغی فی البحث الدینیّ مراعاة ثمانیة أمور؛ وهی:
1. الاجتهاد فی الاجتهاد:
یشکّل هذا المبدأ أبرز ضرورات الحوزة العلمیّة فی عصرنا، فلا یجوز إخراج الاجتهاد من موضوعه، وینبغی إخضاع منطق الاجتهاد ومنهج استنباط الدین للمراجعة؛ استناداً إلى منطق الاجتهاد ذاته، ولاسیّما لناحیة استکشاف نمط تنظیمیّ وتصمیم ضوابط اجتماعیّة.
وقد شهد تاریخ فقهنا وأدواره على ما مرّ به مفهوم الاجتهاد ووظائفه من تحوّلات تدریجیّة عبر العصور؛ الأمر الذی کان یترک أثره على الفقه؛ متغیّراً مفهوماً ومصداقاً، ومتبدّلاً حدوداً فی بعض الحقب.
وکان الفقه (الفقه الأکبر) فی الماضی یشتمل على الکلام والعقائد الدینیّة، قبل أن یتحوّل عملیّاً فی عصرنا الحاضر إلى مجرّد علم یقتصر على دائرة أفعال المکلّفین، من دون معرفة أیّ دلیل یدعو إلى ذلک التضییق!
وهذا، یستدعی بسط فعّالیّة الاجتهاد ومفهوم الفقاهة، وإعطاء دور أکبر لمساهمة العقل بوصفه مصدراً من مصادر الاجتهاد؛ ما یضفی معنى أکثر دقّةً وأقرب للواقع لکلٍّ من الاجتهاد والتفقّه، حیث یمکن التوسّع فی مصادر الاستنباط وأصوله وضوابطه وقواعده، واللّجوء إلى الاجتهاد الجماعیّ؛ لأنّه أکثر إتقاناً ومصداقیّة بالمقارنة مع نظیره الفردیّ الذی قد لا یواکب متطلّبات العصر.
فما المانع من توجّه الحوزة نحو عقد حلقات علمیّة-فکریّة متخصّصة ومتفرّغة فی العلوم الفقهیّة على مختلف مستویاتها، حتّى تتاح لها فرصة خوض غمار التفکّر والتفحّص والسبر والتقصّی، ما قد یفسح المجال لاکتشاف مناهج وأسالیب جدیدة، وإرساء ضوابط وقواعد مبتکرة لاستنباط المعارف الدینیّة، فضلاً عن ما هو متاح حالیّاً من منابع معتبرة؟! ألم تحدث مثل تلک المحاولة فی تاریخ العلوم الإسلامیّة؟! ألم تفتح إفادات مشایخنا الطریق أمام ظهور أعمال فقهیّة وأصولیّة عدیدة، فکان کتاب "کفایة الأصول" حصیلة کلٍّ من "عدّة الأصول"[15] و"معالم الدین وملاذ المجتهدین"[16]؟! ألم یتحرّر علم الأصول من هویّته بوصفه مقدّمة لعلم الفقه وملحقاً به، لیتوسّع إلى درجة تستغرق دورة تدریسیّة واحدة منه عشرین عاماً أحیاناً؟! ألم تتحوّل مدرستنا الفقهیّة البسیطة والمختصرة إلى موسوعات مبسوطة ومفصّلة؟! وهل یصحّ الادّعاء أنّ مدرستنا الدینیّة عُقِمت من الکفاءات والمواهب، وفقد الدین حیویّته وخصوبته، مع أنّ مجال الابتکار والبسط والتوسّع فیهما لا یزال مفتوحاً؟!
لقد فتح فقهاء ومفکّرون أمثال الشهید السیّد محمّد باقر الصدر (قده)[17]، والشهید الشیخ مرتضى مطهّری (قده)، والإمام الخمینیّ (قده) طرقاً جدیدةً فی هذا الصدد[18]؛ إذ أدخل الإمام (قده) مبدأ "ملاحظة ظرف متعلّق الحکم" (الزمان والمکان) فی عملیّة الاستنباط والإفتاء، فضلاً عن تعامله مع الحکومة بوصفها فلسفة عملیّة للفقه[19].
لقد شهدت فروع العلوم المختلفة تطوّرات وإبداعات ومناهج وأدوات معرفیّة مبتکرة، دفعتها إلى طرح أسئلتها واستفساراتها وآخر مستجدّاتها مقابل المعرفة الدینیّة؛ طلباً لإجابات، الأمر الذی یفرض على علم الأصول التوجّه جدّیّاً نحو التحوّل والتکامل لمواجهة تلک التحدّیات، عبر الشروع فی فهم الأسئلة التی تفرزها الظروف الجدیدة؛ بوصفه خطوةً ضروریّةً لتقدیم الحلول، فلا یمکن إصدار حکم فی قضیّةٍ ما من دون تحدید موضوع الحکم.
وفی هذا الصدد، یمکن تقسیم موضوعات الأحکام إلى ثلاث مجموعات: شرعیّة، عرفیّة، وعلمیّة؛ فتتبع "العرفیّة" منها تشخیص العرف، أمّا "الشرعیّة" و"العلمیّة" (تلک الموضوعات التی یقع أمر تحدیدها على عاتق العلم ذی الصلة)، فیعود أمرها إلى آراء المجتهدین ومختلف مستویات التخصّصات الفقهیّة ذات العلاقة.
وجدیر بالذکر أنّ موضوعات الأحکام هی بحدّ ذاتها بحاجةٍ ماسّةٍ إلى الاجتهاد بالمعنى العامّ؛ إذ لا یمکن لفقهنا بلوغ حالة التحوّل والتجدّد والنموّ ما لم یُحِط الفقیه علماً بزمانه، من خلال فهم الحیاة المعاصرة ومتطلّباتها، وإدراک منظومة العصر المعرفیّة، والإلمام بأحدث الموضوعات، واستکشاف المسائل المستجدّة، وتفهّم تحدّیات العصر وتساؤلاته المطروحة.
إنّ تطوّر الفقه لن یتحقّق إلا بتوسیع مفهوم منطق الاجتهاد ومصداقه، من خلال تکوین حلقات الخبراء والمتخصّصین الذین یحیطون بکلّ فقیهٍ فطحلٍ ویعاونونه فی بحثه وتدقیقه؛ وإلا فَقَدَ اجتهادنا نجاعته، وتجاوز العصر دیننا؛ لأنّ الفقیه الفرد -مهما أوتِیَ من علم بالموضوعات الشرعیّة- لن یتسنّى له الإحاطة بکافّة الموضوعات العلمیّة والعرفیّة، وقد بلغت دائرة العرف الیوم من التوسّع حدّاً یعجز فیه الفرد عن تحصیل فهم عرفیّ جامع؛ حیث تشعّبت الموضوعات العرفیّة ومعاملاتها وأنواع عقودها، بالمقارنة مع ما مضى، إلى حدٍّ یستحیل معه الإلمام بها خلف أبواب الحجرات المغلقة فی الحوزات؛ لمحدودیّة القدرات والدقّة الفردیّة.
2. إحیاء العلوم المهجورة:
إنّ ممّا یدعو إلى الأسف هو وصف دروس تفسیر القرآن، والکلام و... بالدروس الجانبیّة فی البحث الدینیّ المعاصر! ألیس القرآن أساس کلٍّ من الکلام، والفقه، الأخلاق، والتربیة؟ فکیف صار التفسیر درساً جانبیّاً؟ ولماذا هُجِرت علوم السنّة، والحدیث، والسیرة، والقواعد الفقهیّة، وغیرها من المعارف الضروریّة الأخرى؟
للفخر الرازیّ کتاب بعنوان "جامع العلوم" أو "حدائق الأنوار فی حقائق الأسرار"[20] (المشتهر بالستّینیّ)، ذکر فیه ستّین علماً دارجاً فی أوساط المسلمین فی تلک الأیّام، مبیّناً تعریف کلّ واحد منها وحدوده، وهی تُعدّ الیوم من العلوم المهجورة، بینما کان أغلبها فی الماضی من المقرّرات التدریسیّة والبحثیّة فی الحوزات العلمیّة الدینیّة، التی کانت حتى ما قبل ظهور الجامعات واقتحام نظام التعلیم الحدیث، بوتقةً لکافّة العلوم التی شملت تدریس الطبّ، والریاضیّات، والنجوم، والهیئة، والفلک.
3. نقد العلوم المتعارفة والمتداولة حالیّاً:
من علامات حسن مجموعةٍ ما وحیویّتها: انتشار حالة النقد الذاتیّ فیها؛ الأمر الذی یفرض علینا اتّخاذ هذا النمط أسلوباً یتوخّى الإصلاح.
لذا، ینبغی إخضاع العلوم الدینیّة السائدة والمتداولة للنقد والمراجعة بصورةٍ جدّیّةٍ لا تقبل التهاون، من النواحی المنهجیّة، والبنیویّة، والتصوّریّة، والتصدیقیّة.
فی الفلسفة قام العلّامة السیّد الطباطبائیّ (قده) بعمل ضخم ینبغی إکمال مسیرته، وذلک من خلال تنقیحه الفلسفة فی "بدایة الحکمة"[21] و "ونهایة الحکمة"[22]، وتجدیده الفلسفة وتنقیحها فی "أصول الفلسفة والمنهج الواقعیّ"، فاستعاض عن شروع مباحثها بنظریّة الوجود التی لا تنطوی على تطبیقات جدیرة بالاهتمام، لیبدأها بنظریّة المعرفة. ومع ذلک کلّه، لا یزال المنطق والفلسفة یعانیان من عیوب ونواقص کثیرة.
أمّا فی الفقه، فقد قدّم الإمام الخمینی (قده) مشروعاً جدیداً فی مفهوم الاجتهاد، طارحاً عبارته الخالدة "الحکومة هی فلسفة الفقه العملیّة"، التی انبثق عنها مجموعة من الأسئلة التی تستحقّ التأمّل، من قبیل: ما هی العلاقة بین الفقه والحکومة؟ وما هو دور التفکیر على المستوَیَین الاجتماعیّ والحکومیّ فی عملیّة الاستنباط والتعاطی الفقهیّ والهیکلیّة الفقهیّة؟[23]
لذا، ینبغی إسباغ صبغة التوازن على فقهنا وتکمیله، للتعامل مع حالة المفارقة التی تضرب بأطنابها مفاصل الفقه، من خلال ظهور أقسام تعانی آفة التورّم والتضخّم، على الرغم من عدم کون مسائلها ممّا یُبتلى بها المکلّف، ومن أنّ حجم النواقص والنقائص من الناحیتَین الکمّیّة والکیفیّة لا یقلّ عن حجم الفقه الموجود، فضلاً عن أنّ التطرّق إلى المسائل المستحدثة یضیف له المزید.
4. تنقیح العلوم والنصوص السائدة:
إنّ حجم الخلط بین العلوم کبیر، ومقدار ما تسرّب من الزوائد فی العلوم والنصوص أکبر؛ الأمر الذی یفرض بذل الجهود فی سبیل تنقیة المعارف الدینیّة وتنقیحها، من خلال تشذیبها.
5. تنسیق قسمٍ من العلوم الدینیّة:
ساهمت عوامل کثیرة -من قبیل: ظهور معارف جدیدة، وضرورة تأسیس معارف أخرى- فی التفکیر بلزوم إعادة تنظیم بعض العلوم أو أغلبها؛ لتأخذ ترتیباً جدیداً. کما ینبغی تقدیم تعریف جدید لتلک العلوم وتوضیح غایتها، فضلاً عن إعادة تنظیمها وتقسیمها.
6. الإبداع والتجدید:
یمثّل کلٌّ من الإبداع والتجدید العلمیّ أهمّ قضایا العالم الإسلامیّ وحاجاته، وأبرز رسالة یمکن حملها فی العصر الحدیث.
وتتفاوت أهمّیّة التجدید تبعاً لدرجاته؛ ما یجعله من المقولات التشکیکیّة. ومن مصادیقها التی نحتاج إلیها: تناول موضوعات جدیدة، واستخدام لغة جدیدة فی عرض الفکر الدینیّ، وتبنّی منهج جدید فی طرح القضایا، وتقدیم خطاب جدید عن المسائل، وتصمیم هیکلیّة جدیدة للبحوث، وطرح أفکار جدیدة، وتقدیم حلول أو إستراتیجیّات جدیدة، وتقدیم نظریّات جدیدة، وتأسیس معارف جدیدة، وتصمیم منظومات معرفیّة جدیدة، و...
لقد تکرّر ذِکْر المباحث المعنیّة بنظریّة المعرفة والفهم والذهن فی مختلف مواضع فلسفتنا وکلامنا وعرفاننا بصورةٍ مشتّتةٍ ومتفرّقةٍ، لکنّها لم تحظَ بالدراسة والبحث اللّازمَین من جانبنا، علماً أنّ الفلسفة –الیوم- قُسِّمَت إلى عشرات الفروع التخصّصیّة والمُلحقة، منها: "فلسفة المعرفة" التی تعدّ من أهمّها على الإطلاق، وتحتاج إلى اهتمامٍ خاصٍّ؛ حیث تحتوی على عددٍ من المعارف أو المقولات الأساسیّة التی یُفتَرَض إیلاء الاهتمام اللّازم بها، من قبیل: فلسفة الخلق، فلسفة الحیاة، فلسفة النفس، فلسفة التربیة، فلسفة العلم، فلسفة الفهم، فلسفة المنطق، فلسفة المعرفة، فلسفة الفلسفة، فلسفة الدین، فلسفة علم الکلام، فلسفة علم الفقه، فلسفة أصول الفقه، فلسفة الأخلاق، فلسفة العرفان، فلسفة السیاسة، فلسفة الاقتصاد، فلسفة الفنّ، فلسفة الاجتماع، فلسفة التاریخ، وغیرها من المباحث.
وتحظى فلسفة الدین وفروعها –الیوم- بضرورةٍ وخطورةٍ متزایدَتَین، علماً أنّ البعض یخطئ فی الخلط بین "الکلام الجدید" و"فلسفة الدین"، فیعتبرهما شیئاً واحداً؛ إذ یمکن لفلسفة الدین أن تشمل فی معناها طیفاً واسعاً من فلسفات العقائد والأخلاق والأحکام والسیاسة والتربیة الدینیّة وکثیرٍ من الفلسفات الإسلامیّة المُلحَقة والتخصّصیّة (دراسة عقلانیّة للعلوم والمقولات الدینیّة وفق مقاربةٍ إسلامیّةٍ).
7. إرساء أسس بعض المعارف الجدیدة:
أمام واقع ظهور أفکار وعلوم غیر مسبوقة فی عالم الیوم وضرورة التعاطی معها، یفرض علینا التأسیس لمجموعة من المعارف فی حقل الدراسات الدینیّة. ولأهمّیّة هذه الضرورة فقد أُفرِدَت لها فقرة مستقلّة، على الرغم من أنّها فرع للضرورة السادسة (الإبداع) التی مرّت الإشارة إلیها.
ومع العلم بأنّ العلوم الإنسانیّة-الاجتماعیّة السائدة الیوم تقوم على تعریفٍ معیّنٍ للإنسان والمجتمع، یتمیّز بعلمانیّته وذاتیّته، فلا یمتّ بصلةٍ إلى الله وحقیقة الوجود، فعلى مَنْ تقع مسؤولیّة أسلَمَة العلوم الإنسانیّة؟ وهل ینبغی للجامعیّین المبادرة إلى إطلاق تلک العملیّة وتأسیس علومها، أم على علماء المسلمین القیام بذلک؟ وما هی المرتکزات الفلسفیّة والکلامیّة لتلک العملیّة؟ وما المنطق والمنهج اللّازمان للتحکّم بها؟
من هنا، ینبغی إرساء العلوم الإنسانیّة على أساس بُعدَی "خلافة الإنسان وعبودیّته"؛ إذ نمتلک تعریفاً إلهیّاً للإنسان، ننظر من خلاله إلیه بوصفه "خلیفة الله" و"عبده"فی آنٍ معاً، فلا نطلق علیه محور الوجود وحیاته.
إنّ إدخال مثل ذلک المبدإ فی الدراسات الاجتماعیّة للعلوم الإنسانیّة، من شأنه إیجاد سیرورة جدیدة فیها، ولکنّ السؤال الذی یطرح نفسه: على مَنْ تقع مهمّة تأسیس مثل تلک العلوم الإنسانیّة وتنسیقها؟ وهل توجد مرجعیّة أخرى غیر علماء المسلمین للرهان علیها فی هذا الخصوص؟
ومالم یتمّ التعامل بجدّیّة مع أسلَمة العلوم الإنسانیّة-الاجتماعیّة، فسوف یظلّ إصلاح أوضاع الجامعات حلماً بعید المنال!
وما دامت الجامعات والمدارس والرؤى العلمانیّة تبلور أذهان شبابنا وضمائرهم فی العلوم الإنسانیّة-الاجتماعیّة، وطالما یضطرّ أستاذنا إلى تدریس تلک التوجّهات والمدارس الفکریّة الغربیّة، بعد مراجعة نصوصها، فلن نستطیع الرهان على ظهور جیلٍ جامعیٍّ إلهیٍّ یدیر دفّة النظام وفقَ رؤیةٍ إسلامیّةٍ!
8. إیجاد منظومة تعلیمیّة-بحثیّة تقوم على تخصّصیّة الدراسة والبحث وموسوعیّة الإفتاء والاستنباط:
یتّفق البشر فی عصرنا الحاضر على ضرورة التخصّص فی کافّة الفروع العلمیّة؛ باعتبارها أمراً عقلیّاً وعقلائیّاً، کما یؤکّدون فی الوقت عینه على أهمّیّة الدراسات الموسوعیّة؛ حیث أدّت عملیّة البسط التی شهدتها الحکمة والمعرفة الإسلامیّة إلى تشعّب المعارف الدینیّة إلى علومٍ مستقلّةٍ ومتعدّدة بالتدریج، فلم یعد من الضروریّ فی یومنا هذا أن یکون کلّ فقیه مفسّراً متخصّصاً، وکلّ مفسّر فقیهاً جامعاً، کما لیس من الضروریّ أن یکون کلّ متکلّم فقیهاً ومفسّراً، وبالعکس؛ الأمر الذی ینطبق على سائر التخصّصات، وهذا یدعونا إلى قبول حقیقة لزوم تقسیم المعرفة وتفریعها إلى حقول الدین الأربعة؛ بوصفها فروعاً لکلّ علم فی مقام التعلیم والبحث. کما یدعونا إلى تشجیع روح المشارکة من خلال مساهمة مجتهدی کلّ فرع والمتخصّصین فی الفقه الاجتماعیّ-السیاسیّ، واستشارة الخبراء العارفین بموضوع کلّ فرع، وتفعیل الدراسات التطبیقیّة بین المذاهب والمدارس عند اللّزوم، والمقاربة الموسوعیّة للعلوم، عبر الاطّلاع على المعارف ذات الصلة.
ثالثاً: بین الفقه المتجدّد والفقه التقلیدیّ:
یدّعی البعض -جهلاً أو عن غیر جهل- وجود نوعَین من الفقه: الفقه المتجدّد، والفقه التقلیدیّ!
لقد عان الاجتهاد فی الماضی من آفتَی التحجّر والجمود، وقد زاد من شدّة وطأتَیهما -فی یومنا هذا- تضافر آفتَی التغریب والتعَصرُن إلیهما؛ إذ انبرت جماعةٌ لحمل شعار التجدید والابتکار فی الکلام والفقه -وهو ضروریّ قطعاً- دون فهم معنى الاجتهاد الحقیقیّ، فخبطوا خبط عشواء، وتورّطوا فی آفاتٍ، من قبیل: النزعة إلى الشذوذ فی الآراء، والإصرار على تعدّدیّة الرؤى التی تزید الناس حیرةً، والنزعة إلى الفوضویّة العلمیّة واللّامبالاة فی الطروحات، والإباحیّة، والتسییس، والانتقائیّة، والتهاون، والاقتباسیّة الجامدة، والخرافة، والکلام والفقه "الصحافیّ".
ویبدو أنّ خطر مثل تلک الزمر والأفراد یفوق خطر التیّارات المتحجّرة والجامدة التی خنقت البیئة الدینیّة؛ لأنّها تعرّض التجدید الحقیقیّ للدراسات الدینیّة للخطر؛ نتیجة اتّخاذها منهجیّات تفکیر فردیّة خاطئة، لا أساس لها من الصحّة، ما یوجّه ضربةً قاصمةً إلى الحرکة الإصلاحیّة فی الحوزة، ویضمن ترسیخ التیّار المتحجّر واستمراره...!
إنّ إطلاق تعبیر "الفقه الجامد وغیر المتجدّد" ینطوی على تناقضٍ ذاتیٍّ؛ إذ لیس الفقه سوى حصیلة التفقّه والاجتهاد، الذی یقوم -بدوره- على أساس کسر أصنام التقالید والبدع والتحجّر.
قد یُصاب الاجتهاد بـ"الهجر والترک"، لکنّه مقاوم للـ"الاندراس"، وقد یتعرّض الفقه للـ"توقّف"، لکنّه عصیٌّ على "التقلیدیّة"؛ لأنّ الفقه والاجتهاد المندرس والتقلیدیّ لیس فقهاً واجتهاداً، فالاجتهاد عصیٌّ ذاتیّاً على الاندراس والتقلیدیّة؛ فکلّ حکمٍ مستنبَطٍ لموضوعٍ ما -من خلال الاستناد إلى منطق الاجتهاد- یُعدّ جدیداً بالنسبة إلى موضوعه وشرطه، حتى لو کان قد صدر قبل ألف سنة.
ولذا لا معنى لمصطلحاتٍ من قبیل: "الفقه التقلیدیّ"، و"الفقه المعاصر"، فالفقه معاصرٌ دائماً؛ لأنّه ینطوی على التجدید والإبداع، مع التأکید على ضرورة توجّه الفقه الحیّ الذی وصفه الإمام الخمینی (قده) بـ"الفقه الجواهریّ"[24] نحو التعامل مع المسائل المستحدثة، والتنویه بتحمّلنا مسؤولیّة ما تعرّض له الفقه من جمود، والاجتهاد من شلل!
وفی ما یأتی نماذج لمجموعةٍ من المسائل الفقهیّة الهامّة التی لم تنل منّا اهتماماً لائقاً، فلم نتناولها أصولیّاً وبصورةٍ معمّقة.
فلم یتعرّض فقیهٌ -على حدّ علمی- إلى "فقه التنمیة" حتى الآن، على الرغم من سعة میدانه، إلى درجةٍ یمکن فیها لفقیهٍ فطحلٍ وکفؤٍ تألیف ما یعادل موسوعة الجواهر فی أبوابه؛ لغنى حقل "التنمیة" بآلاف المسائل والقضایا والمقولات فی مجالات الفکر، والثقافة، والتقانة، والاقتصاد، والعلاقات، والمعاییر المستجدّة التی فرضتها التنمیة والحداثة على حیاة البشر -ومنهم المسلمون- الأمر الذی یستدعی خوض الفقه غمارها؛ لتقدیم الإجابات والحلول الناجعة، فهل بادر أحدٌ منّا إلى إعداد عملٍ -ولو کتیّب- فی هذا الخصوص؟!
ألیست ظاهرة العولمة من قضایا البشر الأساسیّة؟ وهل توجد فی عصرنا "حادثة واقعة" أهمّ منها یواجهها المسلمون؟ وهل توجد نقاط التقاء بین العولمة والدین؟ وهل توجد أیّ نسبة، إیجابیّة أم سلبیّة، بینها وبین الإسلام؟
مع غضّ النظر عن ماهیّة الصلة بین العولمة والدین، فإنّ على الإسلام اتّخاذ موقفٍ واضح تجاهها، علماً أنّ العولمة تحدٍّ مهمّ لا ینبغی التقلیل من أهمّیّته، فهل یمکن قبول ادّعاء أنّ دائرة الإسلام تبلغ درجةً من الضیق والقصور، تحول دون تعاطیها مع واقعةٍ عظیمةٍ ومسألةٍ مستحدثة بحجم العولمة؟!
وتنطوی عملیّة العولمة (أو مشروع العولمة) على کمٍّ هائلٍ من المسائل والقضایا التی تفرض نفسها على المسلمین؛ سواء أدرکوا ذلک أم لم یدرکوا. فضلاً عمّا تحمله من قضایا وبحوث فلسفیّة وکلامیّة وأخلاقیّة وفقهیّة.
فی هذا السیاق، نشیر إلى عددٍ من المیادین الواسعة التی لم نتناولها بالشکل الملائم، من قبیل: فقه التکنولوجیا، فقه الطقس والجوّ، فقه البحار والملاحة، فقه المناجم والثروات الطبیعیّة والأنفال، فقه البیئة، فقه التجارة الخارجیّة والجمارک والضرائب والرسوم والغرامات، فقه الإنتاج والتوزیع والاستهلاک، فقه الصیرفة والمال والمعاملات البنکیّة، فقه المعاملات الحدیثة والوسائط والأوراق المالیّة، التأمین، الضمان الاجتماعیّ، التقاعد، وغیرها من عشرات المسائل.
ومن المفارقات فی هذا الخصوص: تعامل بعضهم مع البنوک بوصفها صنادیق أمانات، وتعاطیهم مع المال بوصفها دراهم ودنانیر تقلیدیّة! تستدعی حمل الأحکام الخاصّة بهما علیه، دون الالتفات إلى مفهوم القیمة الحقیقیّة الذاتیّة.
علینا معرفة مفاهیم التنمیة، والعولمة، والمجالات الجدیدة لاستعمال المال، والصیرفة والمعاملات البنکیّة؛ لما تحمله من تأثیرات فی حیاة البشر، ولما تفرزه من شباک لاصطیاد کثیرٍ منهم بالمعاصی والتعدّی على الحدود الإلهیّة.
إنّ تصدّی کلٍّ من الحکومة، ووزارة الاقتصاد والمالیّة، والنظام البنکیّ، للتعامل مع المسائل المالیّة الحدیثة، لا یعفینا من مسؤولیّتنا؛ لأنّ کثیراً من المعاصی المرتکبة فی هذا الخصوص یعود إلى جهل الناس بالأحکام الإلهیّة.
کما یمثّل فقه الإعلام بحراً عظیماً، بما یحویه من وسائل متنوّعة: کالتلفاز، الإذاعة، السینما، الإنترنت، والصحافة التی تتفاعل معها مختلف شرائح المجتمع لساعات وأیّام طویلة، الأمر الذی یفرز آلاف الأحکام والقواعد التی تخفى على کثیرٍ من الناس!
فما حکم الإعلام فی الإسلام؟ وهل انبرى المجتهدون للعمل على فقه الإعلام والصحافة؟ وهل للصحافة فقه خاصّ بها؟ ألا یتعامل البشر مع هذه المقولة منذ ما یربو على مئة عام؟ ألا ینبغی وضع کتاب أو رسالة فی أحکام الصحافة والبرامج الإلکترونیّة وحقوق النشر والإعداد؟ ألیست الحاجة ماسّةً إلى وجود فقه الإنترنت؟ هل یمکن للبشر العیش بعیداً عن تأثیر تلک الأعجوبة العصریّة؟!
فی هذا الخصوص، هل انبرى أحد لتناول فقه الفنّ، المنبثق من حقل الإعلام ووسائل الاتّصال، بصورة تخصّصیّة وشاملة؟ وهل من المقبول التقلیل من شأن الفنّ وغنى مواضیعه؟!
عندما نقول بحرمة حلق اللّحیة والتصویر والموسیقى والغناء، فعلینا توقّع أسئلة یوجّهها المجتمع، من قبیل: هل توجد موسیقى مباحة؟ لأنّ الإجابة بالنفی تستدعی منع وسائل الإعلام من بثّ أیّ نوع من أنواع الموسیقى؛ منعاً لإیقاع الناس فی المعاصی. أمّا إذا کان الردّ بالإیجاب، فعلینا رسم حدودها بکلّ دقّة، وعدم الاکتفاء بالعمومیّات التی لن ترفع هواجس الناس، بل ترمی الکرة مجدّداً فی ملعبهم.
هل یوجد فی الإسلام أحکام خاصّة فی حقول لها علاقة وثیقة بحیاة البشر؛ کالروایات، والأفلام، والمسرح، والکاریکاتور، والکومیدیا والهزلیّات، والنحت والتصویر؟
وفی السیاسة تبرز قضایا، من قبیل: فقه السیاسة والحکم، فقه السلطة، المشارکة الشعبیّة وسیادة الشعب، البرلمان، الرأی العامّ، مکانة الآراء الجماهیریّة، التحزّب، العصیان المدنیّ، حقوق الأقلّیّات المغلوب على أمرها، الاعتراض على نتائج الانتخابات، البغی والانقلاب، وغیرها من الموضوعات السیاسیّة الأخرى التی تحتاج إلى تفقّهٍ واجتهادٍ مناسبَین.
وتعدّ "الرقابة الذاتیّة" (الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر) من قضایا العصر الهامّة؛ ما یستوجب على المجتهدین والمراجع إقرار مواضیع الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ورضى العامّة وحقّ الرعیّة فی مقرّراتهم ودروسهم، حتى یتبیّن کیف یستقطب الإسلام الناس إلى المشهد السیاسیّ وتدبیر المجتمع، وما هی آلیّاته المطروحة والصلاحیّات والوظائف والأدوار التی حدّدها لعامّة أبناء المجتمع؟ إنّ بسط البحث فی هذا الموضوع یتیح المجال لاستکمال قسمٍ من المرتکزات الفقهیّة والمواقف التنفیذیّة للحکم الدینیّ.
وفی عصرنا الحاضر، أفرزت قضایا تحدید النسل وتنظیمه، والتعدیلات الوراثیّة، والاستنساخ وتغییر الجنس مسائل معقّدة فی العالم؛ ما یفرض تحدّیاً أمام المجتهدین للبحث فیها.
ویعانی فقه العلاقات الدولیّة وشؤون المنظّمات والمواثیق العالمیّة من الإهمال؛ ما یبرز الحاجة إلى استفراغ الوسع والتفرّغ للبحث فی فقه الدیبلوماسیّة والعلاقات الخارجیّة والمعاهدات الدولیّة.
طبعاً، لیس من المنطقیّ توقّع احتواء الرسالة العملیّة الفقهیّة العامّة على کافّة المسائل، ولکن یمکن تخصیص رسائل لتناول تلک المسائل المستحدثة؛ لأنّ کثیراً من تحدّیات العصر -بما تحمل من مفاهیم مستجدّة وموضوعات جدیدة- تسرّبت إلى أغلب مفاصل الحیاة، فارضةً بمجموعها وضع رسائل فقهیّة مستقلّة.
فی هذا السیاق، نشیر إلى مسائل حیویّة أخرى ینبغی إدراجها فی المناهج الدراسیّة الدینیّة، من قبیل: الأمم المتّحدة، مجلس الأمن الدولیّ، المحافل الدولیّة، الحدود الحدیثة، الدولة، أنظمة الحکم، والإدارة القائمة على مبدإ "الدولة- الشعب"؛ وهی تنطوی على عدد کبیر من الأحکام الفقهیّة، وتفرض لزوم إعادة النظر فی تعاریف أصناف الکفّار، والإجابة عن الأسئلة الآتیة: ما هو مصداق المحارب والذمّیّ والمعَاهِد فی عصرنا؟ وما أحکام الکفّار المحایدین المقیمین فی البلدان الأخرى؟
رابعاً: ضرورة التجدید فی منهج الاجتهاد وأدواته المعرفیّة:
لا بدّ للاجتهاد والتفقّه السائد والرائج فی واقعنا المعاصر من إجراء دراسة تقویمیّة لأدواته الاستنباطیّة، ومن أبرز هذه الأدوات: علم أصول الفقه.
وقف علم الأصول بثباتٍ وشجاعةٍ فی مواجهة النزعة الأخباریّة والاتّجاه السطحیّ للدین وأحادیّة المنبع الدینیّ (من خلال الاقتصار على الأخبار بوصفها المنبع الوحید للدین)، مخلّصاً الاجتهاد من الجمود والتحجّر، وممهّداً الطریق أمام تطوّر الفهم الدینیّ والالتزام العقدیّ.
ومع ذلک کلّه، ما تزال الحاجة ماسّةً إلى القیام بدراسة تقویمیّة لعلم الأصول؛ وذلک فی أربعة مستویات: "المنهج"، "الهیکلیّة"، "المحتوى والمضمون" (أی بعض الادّعاءات الموجودة)، و"الوظیفة والمحدّدات".
لقد خضع علم الأصول إلى عملیّة البسط بصورةٍ تدریجیّةٍ؛ الأمر الذی جعله عرضة لموجاتٍ من الاختلال البنیویّ، وعدم الانسجام فی فصوله، وکثرة الاستطراد؛ إذ لا لزوم لإقحام البحوث اللّغویّة فی الموضوعات الأصولیّة، ولاسیّما قسم الألفاظ الذی یستدعی اختصاره وتشذیبه؛ بحذف الإطالات وما لا طائل منه، ورفع الخلط بین العلوم.
وتوجد مجموعةٌ من المسائل فی مبحث الألفاظ، لا علاقة لها بعلم الأصول، ما یتطلّب طرحها والبحث فیها قبل الشروع فی علم الأصول، کما یحوی ذلک العلم مجموعةً أخرى من الموضوعات التی لا تطبیقات عملیّة لها فی عملیّة الاستنباط، الأمر الذی یفرض على مؤسّسات التعلیم الدینی اعتماد مقرّرات دراسیّة بعنوان "دراسات لغویّة وألسنیّة" تتیح للطلبة فرصة الإلمام بالبحوث الضروریّة -بوصفها مقدّماتٍ لذلک العلم- فیدرسون تلک المقرّرات إلى جانب الصرف، والنحو، والبلاغة؛ لما لها من دورٍ لا یقلّ أهمّیّةً عن علوم اللّغة فی فهم النصّ.
فی هذا السیاق نطرح السؤال الآتی: ما صلة مبحث "الطلب والإرادة"، المباشرة أو غیر المباشرة، بعلم الأصول؟
یأتی الجواب: "الأمر" بمعنى "الطلب"، الذی ینقسم بدوره إلى أربعة أقسام: حقیقیّ (ذاتیّ)، إنشائیّ (لفظیّ)، ذهنیّ ومعنویّ. والأمر نفسه ینطبق على "الإرادة"؛ حیث تصوّر جمعٌ -منهم الأشعریّون- أنّ الإرادة طلب نفسیّ، أمّا الطلب اللفظیّ فهو الطلب الاصطلاحیّ نفسه الذی یعنی الأمر.
لقد أدّى طرح مسألة تغایر الإرادة والطلب أو اتّحادهما، إلى انزلاق الأصولیّین فی خوض سلسلةٍ من المباحث الفلسفیّة والعلمیّة المجرّدة والکلامیّة غیر الضروریّة، من قبیل: التساؤل عن حقیقة الإرادة والطلب، اختیاریّة مقدّمات الإرادة، والتمایز بین الإرادتَین الإلهیّة والإنسانیّة.
کما دفعتهم تلک المسألة إلى إحیاء النزاعات القدیمة بین الأشعریّین والمعتزلة والإمامیّة فی الحقیقة ونسبة الذات والصفات، والجبر والتفویض، ومعنى الکلام فی نفسه، و... ما لا علاقة لها بعملیّة استنباط الأحکام، ولا صلة لها بماهیّة علم الأصول!
إنّ ظهور تلک الآفات فی علم الأصول أمرٌ طبیعیٌّ، نتیجةَ حالة القصور فی تدریس الفلسفة والکلام، واختفاء دور فلسفة التفقّه وعلم الفقه من المنظومة التعلیمیّة الدینیّة، وهجر علوم منهجیّات العلم وفنّ البحث!
فلماذا لا نهتمّ بطرح مباحث عملیّة وضروریّة؛ کالمفاهیم والمعانی والمرتکزات والتطبیقات العملیّة فی سیرة المعصومین (عله) والعقلاء والعرف والمصالح؟ ولماذا لا نتناول بالبحث العلاقة الموجودة بین الفقه والفطرة؟
إنّ من عیوب علم الأصول الأخرى: تفشّی حالة التکلّس على القواعد والضوابط المتعارفة، وتضییق دائرة البحث فی مباحث ضروریّة، وإغفال أخرى؛ الأمر الذی یسلّط الضوء على ضرورة توسیع دائرة الأصول وقواعد الاستنباط، ولاسیّما فی ما یخصّ الاجتهادَین الاجتماعیّ والسیاسیّ.
وفی ما یتعلّق بعلم أصول الفقه السائد والرائج، تحظى المباحث المعنیّة بـ"الکتاب" بالنصیب الأکبر من عملیّة الاستنباط، فیما لا ینال "العقل" سوى حیّزٍ محدودٍ فیها، على الرغمَ ممّا یلعبه من دورٍ مؤثّرٍ فی فنّ الاجتهاد وفهم الدین؛ ما یستدعی توسیعه وتعمیقه، بما یتناسب مع شأنه.
وخلافاً لما هو مشهور، تشکّل آیات الأحکام (تلک الآیات التی یمکن لها أن تدخل فی خدمة استنباط الأحکام والحدود الإلهیّة؛ استناداً إلى إحدى الدلالات الثلاث) أکثر من ثُلُث القرآن الکریم، بینما یمکن لفعّالیّة العقل فی حقل الدراسات الدینیّة -ومنها استخراج الأحکام- أن تحتلّ مساحةً أکبر بکثیرٍ ممّا یُتَصوَّر.
وتوضیح ذلک: تختلف وظائف العقل فی حقل البحوث الدینیّة، بحسب الجهات المأخوذة بعین الاعتبار، إلى أقسامٍ مختلفةٍ، منها:
1. بلحاظ شمول فعّالیّة العقل للحقول الثلاثة (العقائد، الأحکام، الأخلاق)، أو بلحاظ انحصار فعّالیّته فی حقل محدّد، ویُعبَّر عن هذین البعدَین، بالوظائف "العامّة" و"الخاصّة":
أ. وظائف العقل "العامّة" والمشترکة فی البحوث الدینیّة، وهی عبارة عن الآتی:
- إدراک بدیهیّات النزعة نحو التدیّن والإیمان (من قبیل: ضرورة الدین، منشأ الدین، النبوّة العامّة، و...).
- إرساء المرتکزات اللّازمة للحقول الثلاثة.
- إثبات إمکانیّة فهم الدین.
- المساهمة فی تنظیم "معرة منطق فهم الدین".
- إثبات حجّیّة سائر المنابع الدینیّة.
- استنباط التعالیم الدینیّة من سائر المصادر الأخرى (أدوات فهم الدین وطرقه).
- وضع الضوابط والقواعد الضروریّة للمعرفة الدینیّة.
- تقویم منابع فهم الدین وأدلّته ورفع التعارض فی ما بینها.
- تمییز صحیح المعرفة الدینیّة من سقیمها.
- استکشاف آفات المعرفة الدینیّة ومعالجة الأخطاء.
ب. وظائف العقل "الخاصّة"، ویمکن تقسیمها إلى ثلاث مجموعات؛ تبعاً لفعّالیّته فی کلّ حقلٍ من حقول الدین الثلاثة؛ وهی عبارة عن:
- فی حقل العقائد:
- إدراک أصول العقائد بصورةٍ مستقلّةٍ (من قبیل: وجود الواجب، التوحید، و...).
- إدراک کثیرٍ من القضایا الدینیّة.
- فی حقل الأحکام:
- إدراک قسمٍ من علل الأحکام الدینیّة وحِکَمها.
- الدفع نحو التزام الأوامر الشرعیّة والردع عن نواهیها.
- تحدید صُغریات الأحکام الشرعیّة العامّة ومصادیقها (معرفة الأحکام).
- تعیین موضوعات الأحکام العملیّة (معرفة الموضوعات).
- إدراک المصالح والمفاسد المترتّبة على الأحکام فی مقام التحقّق، وتحدید الأولویّات، ورفع التزاحم بین الأحکام.
- ترخیص المباحات وتأمینها (أو تقنینها) (ما لا نصّ فیه، ومنطقة الفراغ).
- تعیین آلیّة تحقّق أحکام الدین الاجتماعیّة (البرنامج، والهیکلیّة، والمنهج).
- فی حقل الأخلاق:
- إدراک الحسن والقبح الذاتیَّین للأفعال.
- إدراک قسمٍ من القضایا الأخلاقیّة بصورةٍ مستقلّة.
- تشخیص صُغریات القضایا الأخلاقیّة ومصادیقها.
- تحدید المفاسد والمصالح المترتّبة على الأحکام الأخلاقیّة فی مقام العمل، وإدراک الأولویّات ورفع التزاحم فی ما بینها.
- الترخیص (أو جعل حکمٍ أخلاقیٍّ) فی حالات الفراغ.
- الدفع إلى فعل الفضائل وکسبها، وترک الرذائل.
- تعیین آلیّة تحقّق الأخلاق الدینیّة.
2. بلحاظ وظیفة العقل فی نطاق کلّ واحدٍ من أطراف "واقعة الفهم" الخمسة؛ وهی عبارة عن:
أ. فعّالیّة العقل فی مبدإ الدین (الماتن= الشارع، المعصوم، العقل والفطرة).
ب. فعّالیّة العقل فی نطاق منابع الدین (أدوات فهم الدین ومجاریه = المتن والنصّ بالمعنى العامّ).
ج. فعّالیّة العقل فی مُدرِک الدین (المفسّر= مخاطب الدین).
د. فعّالیّة العقل المُدرَک (المعنى = رسالة الدین).
هـ. فعّالیّة العقل فی مجال منطق إدراک الدین (المنهجیّة).
3. بلحاظ نمط فعّالیّة العقل فی الحقول الثلاثة، یمکن تقسیم وظائف العقل إلى نوعَین: "استقلالیّ" و"آلیّ".
4. بلحاظ "الوساطة" أو "المباشرة" فی فهم الدین.
5. بلحاظ وظائف العقل وفعّالیّتها، یمکن تقسیمها إلى قسمین: "حول الدین" أو "فی الدین".
6. بلحاظ وظائف العقل فی نطاق الدین؛ تبعاً لتقسیم العقل إلى: نظریٍّ وعملیٍّ.
هذا، وتحتاج مرتکزات التقسیمات ومصادیقها ومعانیها إلى مزیدٍ من الشرح والبسط؛ ما یستدعی إفراد بحثٍ مستقلّ له.
کما إنّ لکثیرٍ من موضوعات علم أصول الفقه الرائج سنخیّةً مع مباحث فلسفة الفقه، من قبیل: المعنى والمبنى، صِلات الفقه بالعقل، والفقه بالفطرة، والفقه بالسیرة، والفقه بالمصلحة، والفقه بالعرف، ومناهج علم الفقه، ولا یمکن طرح فقهٍ ناجعٍ وذی جدوى -الیوم- دونَ الاستعانة بفلسفتَی الفقه والاجتهاد.
ثمّة مجموعةٌ من المحاور التی ینبغی تعلیمها وتعلّمها؛ بوصفها مُقرّراتٍ دراسیّةٍ مدوَّنةٍ ومنسجمةٍ. ویمکن الإشارة إلى بعضها، من قبیل: مرتکزات الفقه والأصول الوجودیّة، والمعرفیّة، والإنسانیّة، والدینیّة، والمنهجیّة والاستدلالیّة، فضلاً عن المواضیع ذات الصلة بکلٍّ من معرفة الحکم والموضوع والآفات فی عملیّة الاستنباط.
بناءً على ما تقدّم، علینا أن نُخضِع المباحث المطروحة بشکلٍ عامٍّ فی العلوم المنهجیّة الدینیّة -کأصول الفقه، والمنطق، وعلم التفسیر ومناهجه، وعلم الحدیث- إلى عملیّة تقویم؛ بهدف استنباط مبادئ فهم الدین وضوابطه وقواعده ومقارباته ومناهجه، وتسلیط الضوء على حالات القصور التی تعانی منها مناهج التفسیر، واستخراج أسالیب لتمییز الغثّ من السمین فی الاستنباطات الدینیّة، وعرضها وتنسیقها وإکمالها بوصفها حقلاً معرفیّاً، وحتى فرعاً علمیّاً مستقلاً.
أمّا فی مجال فهم الدین، فثمّة کثیرٌ من الأسئلة التی تنتظر الإجابة، من قبیل: هل الدین قابلٌ للفهم؟ وإذا کان کذلک، فهل هو منهجیٌّ؟ فی حال کان الدین منطقیّاً، ما هی عوامل تحوّلاته وعلل تفریعاته؟ وهل الدین قابل للقراءة؟ وإذا لم یکن قابلاً للقراءة، فما الفرق بین قابلیّة القراءة وتنوّع الآراء الدینیّة؟ وکیف یمکننا تمییز الفهم الصحیح من الفهم السقیم؟
تلک الأسئلة تفرض تأسیس حقلٍ معرفیٍّ، یمکن أن نطلق علیه اسم "علم منطق فهم الدین"، الذی بات یشکّل حاجة ضروریّة بالنسبة إلى الاجتهاد والتفقّه فی الدین، ویحتاج إلى بناء مشروع مفصَّل ودقیق فی واقعنا المعاصر.
خاتمة:
أجد من اللّازم التأکید على أنّ قوام الدین ودوام المسار التدیّنیّ یقومان على عنصر الفقاهة ومنطق الاجتهاد؛ فقد قاسى فقهاؤنا الأمَرَّین حتى یترکوا لنا إرثاً عظیماً من الکنوز المعرفیّة، وقد قدّر أحد العلماء مقدار ما استنبطه السلف الصالح من فروعٍ فقهیّةٍ بما یربو على أربعین ألفاً، ما یستدعی توجیه العتب على أنفسنا لتقصیرنا فی إکمال المسیرة!
إنّ الاجتهاد -سواء أکان بمعناه الخاصّ: "تحصیل الحجّة على الأحکام الشرعیّة الفرعیّة"، أم بمعناه العامّ: "محاولة لفهمٍ مُمَنهَجٍ للدین، واستکشافٍ مضبوطٍ لتعالیمه وقضایاه"- یشکّل جوهر المنهج الاجتهادیّ والفقاهتیّ الشیعیّ، والذی تدین له کافّة التحوّلات العظیمة التی شهدها تاریخ الإسلام والتشیّع، ومنها: الثورة الإسلامیّة التی فتحت صفحةً جدیدة فی التاریخ؛ إذ لو لم یکن الإمام الخمینی (قده) فقیهاً، لما تمکّن من صنع الثورة، لا من الناحیة الشرعیّة، ولا من الناحیة العملیّة؛ فقد حمل لواء الثورة بحکم الاجتهاد وسلطة المرجعیّة، لیتغلّب على قوى عصره الغاشمة، مستنداً إلى دعامتَی الاجتهاد والفقاهة، بوصفهما محرّکَین ومصدرَین للشرعیّة، فضلاً عن مرجعیّته التی شکّلت ضمانةً لنصره وأرضیّةً لمشروعیّته.
لذا، تلعب حالة النقد البنّاء والهادف للمؤسّسة الدینیّة والفقاهة دوراً أساساً فی تطویر الثورة، وترسیخ أسسها، فضلاً عن إرساء قِیَم الدین والتدیّن.
فی المقابل، انبرت ثلّةٌ انتهازیّةٌ ومغرضة تتناقض مع أصل الدین والتدیّن، لتوجیه الضربات إلى الحوزة العلمیّة وعلماء الدین، متلطّیةً وراء شعارات النقد، من خلال ترکیز الجهود التخریبیّة الهدّامة على عمود الدین المتمثّل بالاجتهاد والفقاهة، الذی تتوقّف حیاة الدین وثبات التدیّن علیه.
إنّ الحوزة العلمیّة –بدورها- تمیّز بین النقدَین البنّاء والهدّام؛ لأنّ الفرق بین النقد النابع من صلب المؤسّسة الحوزویّة والموجَّه من جهاتٍ تتباهى بانتمائها إلیها، والنقد الهدّام المغرض الناشئ من خارج الأطر الحوزویّة والغریب عنها، بهدف التقلیل من هیبة الحوزة العلمیّة والانتقاص من شأنها؛ کالفرق بین العمل الصالح بقصد القربة، والعمل الفاسد بغرض الریاء.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من إیران.
[2] سورة التوبة، الآیة 122.
[3] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج9، ص404.
[4] اللاهیجی، عبد الرزّاق: شوارق الإلهام فی شرح تجرید الکلام، تقدیم وإشراف: جعفر السبحانی، تحقیق: أکبر أسد علی زاده، قم المقدّسة، مؤسسة الإمام الصّادق(ع)، 1428هـ.ق/ 1385هـ.ش.
[5] الحلّی، الحسن بن یوسف: کشف المراد فی شرح تجرید الاعتقاد، تحقیق وتعلیق: حسن زاده آملی، ط7، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1417هـ.ق؛ تحقیق وتعلیق: إبراهیم الموسوی الزنجانی، ط4، قم المقدّسة، انتشارات شکوری؛ مطبعة اسماعیلیان، 1373هـ.ش؛ تقدیم وتعلیق: جعفر السبحانی؛ لا ط، لا م، لا ن، لا ت.
[6] القوشجی، محمد بن علی: من التراث الإسلامی، شرح القوشجی على تجرید العقائد للطوسی، دراسة وتحقیق: صابر عبده أبا زید، تقدیم: عبد الفتّاح فؤاد، ط1، الإسکندریّة، دار الوفاء لدنیا الطباعة والنشر، 2003م.
[7] سلسلة آثار وتراث الشهید مرتضى مطهّری (قده) (17\17) (مجموعة أصول الدین(2/2)/ المجتمع والتاریخ/ أنسنة الحیاة فی الإسلام/ الإسلام والاقتصاد/ الثورة والدولة/ ...)، ط1، بیروت، دار الإرشاد، 1433هـ.ق/ 2012م.
[8] الشیرازی، صدر الدین: الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیّة الأربعة (9\9)، ط3، بیروت، دار إحیاء التراث العربیّ، 1981م؛ الشواهد الربوبیّة فی المناهج السلوکیّة، تعلیق وتصحیح وتقدیم: جلال الدین الآشتیانی، ستاد انقلاب فرهنگى؛ مرکز نشر دانشگاهى؛ المبدأ والمعاد، تصحیح وتقدیم: جلال الدین الآشتیانی، ط3، قم المقدّسة، مرکز انتشارات دفتر تبلیغات اسلامى (مطبعة مکتب الإعلام الإسلامی)، 1422هـ.ق/ 1380هـ.ش؛ المشاعر، تقدیم: هنری کوربان، ترجمة المقدّمة: ابتسام الحموی، تعلیق وتصحیح: فاتن محمد خلیل اللبون، ط1، بیروت، مؤسّسة التاریخ العربی، 1420هـ.ق/ 2000م.
[9] الطباطبائی، محمد حسین: أصول الفلسفة والمنهج الواقعی (3\3)، تقدیم وتعلیق: مرتضى مطهّری، ترجمة: عمّار أبو رغیف، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة أم القرى للتحقیق والنشر، 1422هـ.ق.
[10] الخراسانی، محمد کاظم: کفایة الأصول (2\2)، تحقیق وتعلیق: عباس علی الزارعی السبزواری، ط6، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1430هـ.ق.
[11] تراث الشیخ الأعظم (مرتضى الأنصاریّ) (27\27)، تحقیق ونشر: لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم، ط2، قم المقدّسة، مجمع الفکر الإسلامیّ؛ مطبعة شریعت، 1423هـ.ق.
[12] النجفی، محمد حسن: جواهر الکلام (43\43)، تحقیق وتعلیق: عباس القوچانی، ط، طهران، دار الکتب الإسلامیّة؛ مطبعة خورشید، 1365هـ.ش.
[13] انظر: الطباطبائی الیزدی، محمد کاظم: العروة الوثقى (مع تعلیقات عدّة من الفقهاء العظام)؛ ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1417هـ.ق، ج1، ص11-12.
[14] انظر: ابن بابویه، محمد بن علی (الصدوق): کمال الدین وتمام النعمة، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، لا.ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1405هـ.ق/ 1363هـ.ش، باب45، ح4، ص483-485.
[15] الطوسی، محمد بن الحسن: العدّة فی أصول الفقه (المعروف بعدّة الأصول) (2\2)، تحقیق: محمد رضا الأنصاری القمی، ط1، قم المقدّسة، مطبعة ستاره، 1417هـ.ق/ 1376هـ.ش.
[16] العاملی، حسن: معالم الدین وملاذ المجتهدین، ط12، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1417هـ.ق.
[17] موسوعة الإمام الشهید السید محمد باقر الصدر (قده) (15\15) (الأسس المنطقیّة للاستقراء/ دروس فی علم الصول/ بحوث فی شرح العروة الوثقى/ اقتصادنا/ البنک اللاربوی فی الإسلام/ المدرسة الإسلامیّة/ ...)، بیروت، دار التعارف، 1990م.
[19] انظر: الخمینی، روح الله: الحکومة الإسلامیّة، طهران، منشورات المکتبة الإسلامیّة الکبرى، 1980م، ص17، 20-23، 30، 23، 120.
[20] فی ما یلی قائمة بالعلوم التی ذُکِرَت فی کتاب الفخر الرازیّ: علم الکلام/ علم أصول الفقه الظاهرة/ علم الجدل- المسائل الظاهرة/ علم الخلافیّات/ علم المذاهب/ علم الفرائض/ علم الوصایا/ علم التفسیر/ علم المعانی (علم دلائل الإعجاز)/ علم القراءة/ علم الأحادیث/ علم أسامی الرجال/ علم التواریخ/ علم المغازی/ علم النحو/ علم الصرف/ علم الاشتقاق/ علم الأمثال/ علم العروض/ علم القوافی/ علم بدیع الشعر والنثر/ علم المنطق/ علم الطبیعیّات/ علم التعبیر/ علم الفراسة/ علم الطبّ/ علم التشریح/ علم الصیدلة/ علم الخواصّ (وهو على تسعة أقسام)/ علم الإکسیر وهو علم الکیمیاء/ علم الجواهر (معرفة الأحجار)/ علم الطلسمات/ علم الفلاحة/ علم قلع الآثار/ علم البیطرة/ علم البزاة/ علم الهندسة/ علم المساحة/ علم الأثقال/ علم آلات الحروب/ علم حساب الهند/ علم الحساب الهوائیّ/ علم الجبر والمقابلة/ علم الأرثماطیقیّ/ علم أعداد الوفق/ علم المناظرة/ علم الموسیقا/ علم الهیئة/ علم الأحکام والنجوم/ علم الرمل/ علم العزائم/ علم الإلهیّات/ علم مقالات أهل العالم/ علم الأخلاق/ علم السیاسات/ تدبیر المنزل/ علم الآخرة/ علم الدعوات/ علم آداب الملوک/ علم الشطرنج وأنواع الألعاب. انظر (بالفارسیّة): الرازی، فخر الدین: جامع علوم ستینى (جامع العلوم الستینیّ)، تصحیح: علی آل داود، نشر بنیاد موقوفات دکتر محمود أفشار، 1382هـ.ش.
[21] الطباطبائی، محمد حسین: بدایة الحکمة، تصحیح وتعلیق: عباس علی الزارعی السبزواری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، 1418هـ.ق.
[22] الطباطبائی، محمد حسین: نهایة الحکمة، تصحیح وتعلیق: عباس علی الزارعی السبزواری، ط14، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرّسین، 1417هـ.ق.
[23] انظر: الخمینی، الحکومة الإسلامیّة، م.س، ص17، 20-23، 30، 23، 120.
[24] انظر: الخمینی، صحیفة النور، م.س، ج21، ص347، 379.