الفکر السلفیّ -بین دعوى الاجتهاد والممارسة الأصولیّة-
أ. د عبد الأمیر کاظم زاهد[1]
خلاصة:
إنّ مصطلح "عقیدة السلف" -بما یحمله من مضامین فکریّة محدّدة- لم یکن معروفاً إلا فی العصور المتأخّرة؛ أی فی القرن الخامس الهجریّ، کما إنّ عقیدة السلف لم تکن ممّا تداولتها أزمنة التأسیس الأولى للمعرفة الدینیّة، فکان مصطلحاً حادثاً غیر مؤصّل أوجدته نزعات أیدیولوجیّة متشدّدة وربطته بالأجیال الأولى؛ لکی تمنحه القداسة والمقبولیّة، وجعلته عَلَماً على مسلک جماعة هم أهل الحدیث، وأُرید منه مجموعة محدّدات عقدیّة داخل التصوّر العامّ ومجموعة توجّهات فی السلوک.
ویتلخّص مجموع النقد الموجَّه إلى مفهوم "عقیدة السلف" فی أنّ هذا المفهوم لم تستقرّ له سمات فکریّة واضحة وخصائص منهجیّة جلیّة فی العقائد والسلوک، ولم یتحوّل إلى ما انتهت إلیه المذاهب الفقهیّة أو الفرق من تکامل نظریّ ومنهجیّ، وظلّ مفهوماً غیر مؤطّر نظریّاً ولا مؤسّس منطقیّاً، لذلک کثرت الآراء الشاذّة والمتعارضة التی تزعم أنّها من نتاج ذلک المفهوم العقدیّ.
ومن خلال التتبّع الواقعیّ، نجد أنّ هذا المفهوم قد تحوّل إلى أیدیولوجیا تمییزیّة وإقصائیّة، بعد أن تأسّس بانتقائیّة واضحة، ولاسیّما وقد اقترن به مفهوم الفرقة الناجیة، والطائفة المنصورة، وما إلى ذلک من اختزال الأمّة فی جماعة، وکان هذا ما ساد فعلاً فی الواقع التاریخیّ فی القرنین الرابع والخامس، وما اقترن به من فکر ابن تیمیّة الحرانیّ الذی تسبّب فی الأزمات المتعدّدة التی نشأت فی عصره وما بعده، وما حوّلته الوهّابیّة بعد ذلک من مجتهد فی إطار الإسلام له آراؤه یؤخذ منه ویرد علیه، إلى مدرسة فکریّة معصومة ومرجع تصحیحیّ ومعیاریّ للأفکار والتشریعات التی ادّعت -أیضاً- انطلاقها والتزامها بعقیدة السلف، فأشاعت مفهوماً خاصّاً لـ"توحید الله" على وفق فهمهم السلفیّ، وعاقبت الآخرین ممّن یخالفونها حتى فی التفاصیل الدقیقة من دون أدنى تأمّل فی احتمال أن یکون الآخر على شیء من الحقیقة الدینیّة.
إنّ هذا الفکر، أو هذا المنهج، یحمل بذور تطرّفه فی داخله أو فی بنیته الذاتیّة، کما یحملها فی رؤاه وفی فکره، ویحملها فی آراء رجاله وعلمائه، وفی مصادره، وفی مواقفه، ویحملها فی لبّ منهجه الذی یقدِّم حرفیّة النصّ على العقل.
مصطلحات مفتاحیّة:
الفکر السلفی، الاجتهاد، الممارسة الأصولیّة، عقیدة السلف، السلفیّة الوهّابیّة، السلفیّة المعاصرة، الفهم الأصولی، النصوص المرجعیّة، التقلید، فهم الصحابة والسلف، ...
مقدّمة:
لا تکاد تجد حرکة أصولیّة جهادیّة معاصرة، إلا وتزعم أنّها من نتاج المدرسة السلفیّة، وأنّها تؤمن بعقیدة السلف؛ بل تضطرد شرعیّة هذه الحرکات بمدى تمسّکها بالسلفیّة، عقیدةً وفقهاً. فما هی السلفیّة؟ ومن هم السلف؟ وهل السلفیّة عقیدة کلامیّة، أم مذهب فقهیّ، أم مسلک داخل اتّجاه ما؟ وهل تنفرد المدرسة السلفیّة بممیّزات خاصّة بها مقابل ما تتّسم به المذاهب الفقهیّة أو المدارس الکلامیّة؟ وهل الجماعات الأصولیّة المعاصرة فعلاً من نواتج التفکیر السلفیّ؟
أولاً: مفهوم عقیدة السلف:
یتکوّن مصطلح "عقیدة السلف" من مفهومین: "عقیدة"؛ بمعنى ما یشتمل على مضمون الإیمان، و"السلف"؛ بمعنى الآباء والأجیال الأولى. فی البدء نتساءل: هل لهذه المفردات أصل فی التداول المتعارف فی العصور الأولى؟ ومسوّغ السؤال أنّ السلفیّة المعاصرة ترى کلّ ما لیس له أصل فی العصور الأولى بدعةً، وکلّ بدعة ضلالة. فهل استعمل الأوائل لفظة "عقیدة" ولفظة "السلف"؟ وهل أعطوا المرکّب منهما مدلولاً دینیّاً؟
إنّ لفظة "عقیدة" فی الاستعمال الأوّل -أی فی مرحلة تأسیس الفکر الدینیّ الإسلامیّ- لا تحمل معنى الإیمان أو المضمون اللاهوتیّ للإیمان، ویمکننا أن نراجع ورودها فی القرآن الکریم، وفی أحادیث الرسول (ص)، وفی نهج البلاغة، وفی ما ورد فی معاجم اللغة التی استقت مادّتها ممّا کان متداولاً فی عصور الاحتجاج اللغویّ، ونرصد المضمون الذی تعبّر عنه هذه المفردة.
لقد ورد لفظ "عقد" ومشتقّاته فی القرآن فی سبعة مواضع لم تکن واحدة منها دالةً على معنى الإیمان، فقد دلّ بعضها على معنى القصد، کما فی قوله تعالى: {لَا یُؤَاخِذُکُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِی أَیْمَانِکُمْ وَلَکِنْ یُؤَاخِذُکُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ}[2]، ودلّ بعضها على الاتّفاقیّات، کما فی قوله تعالى: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[3]، ودلّ بعضها الآخر على الرابطة، کما فی قوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکَاحِ}[4]، ودلّ رابع على العجز والتلعثم، کما فی: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِی}[5]. وهکذا لم نجد القرآن الکریم قد أشار إلى المضمون الدینی باستعمال لفظة عقیدة، ولم یرد هذا الاستعمال حتى فی حدیث صحیح الإسناد، ولا فی إسناد حسن؛ بل لم یرد حتى فی الحدیث الضعیف والموضوع[6]، ولم تستَعمل بهذا المعنى فی المتداول من کلام الصحابة أو کلام التابعین وأتباع التابعین موقوفاً على واحد منهم أو مرفوعاً لغیرهم، ولم نجد فی نصوص نهج البلاغة استعمالاً لهذه المفردة بهذا المعنى[7].
وقد ورد الفعل "عقد" فی المعاجم بمعنى ما یمسک الشیء ویوثّقه، وعقدته أی عاهدته. والحاصل من التتبّع والاستقراء أنّ لفظ عقیدة، بمعنى الإیمان أو الإلهیّات، لیس له أصل فی التداول اللغویّ التأسیسیّ.
ویبدو أنّ ذلک المصطلح قد ظهر حدیثاً فی القرن الرابع الهجریّ، ولاسیّما فی مدوّنات الجرح والتعدیل عند أهل الحدیث؛ بمعنى أنّ الاعتقاد هو ما عقد علیه القلب من أفکار، أو ما یدین الإنسان به من آراء وأفکار[8]. ومن ذلک قولهم: إنّ فلاناً سلیم العقیدة، وفلان له عقیدة حسنة وسالمة من الشکّ، فصار المصطلح المتداول یعنی مضمون الإیمان المخصوص أو الاقتناع بالحقائق الدینیّة المحدّدة، والتمسّک بها، والالتزام بمقتضیاتها[9].
أمّا فی ما سبق هذه الأزمان، فقد استعمل لهذا المعنى لفظ الإیمان؛ وهو مصطلح مشهور ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ}[10]، وورد فی الحدیث الشریف قوله (ص): "الإیمان بضع وسبعون شعبة..."[11]، وألِّفت کتب ورسائل فی الإیمان، مثل کتاب "شعب الإیمان" للبیهقیّ، وکتاب "الإیمان" لابن منده، وکتاب "الإیمان" لابن شیبة، وکتاب "الإیمان" للقاسم بن سلام الهرویّ الذی حقّقه الألبانیّ.
وخلاصة الکلام أنّ لفظة عقیدة -بمعنى الإیمان أو المضمون الفکریّ للإلهیّات- لم تکن مستعملةً بهذا المعنى فی الزمن التأسیسیّ لمصطلحات الفکر الدینیّ الإسلامیّ، على الرغم من وجود دواعٍ لاستعمال اللفظ بهذا المعنى، من قبیل: وجود المنافقین، واضطراب الإیمان، واختلاف آراء المدارس الکلامیّة فی مجال الإلهیّات؛ لکنّ اللفظ المعروف والمتداول لهذا المعنى کان لفظ "الإیمان"؛ وهو الاقتناع الطوعیّ بالحقائق الدینیّة، والتمسّک بها، والالتزام بمقتضاها، فجاء استعمالهم لفظَ "الإیمان" لهذا المعنى من دون ربط بین القناعة والعمل؛ إذ لم یربطه القرآن بالعمل، بل لم یربطه حتى بالإقرار، وعفا عن الإقرار بخلافه دون تحقّق القصد.
بناءً على ما تقدّم، فإنّ کلمة عقیدة -بمعنى "اعتناق الحقائق الدینیّة"- مصطلح مستحدَث، استعمل للتفتیش عن قناعات الأفراد، ومدى تطابقها مع أنموذج محدّد، قد استعمله أهل الجرح والتعدیل من أهل الحدیث؛ طبقاً لإرادات أیدیولوجیّة، وقد أحدث هذا الاستعمال فی تاریخ المسلمین أثراً سیّئاً أسهم فی التفرقة والاقتتال؛ لأنّه صار یعنی تحدید موقف المسلم من جملة خصومات فکریّة وتاریخیّة، ولیس من جوهر الإیمان الجامع لکلّ اجتهاداته، وربّما کان ذلک مقدّمة لإلزام المسلم بأفکار وآراء دینیّة بالقوّة والإکراه.
وأما مفردة "السلف" فهی فی اللغة: مَنْ تقدَّمک من أجیال، أو مَنْ تقدَّم علیک بالموت من الآباء أو ذوی القربة[12]. قال الزبیدی: "السلف کلّ مَنْ تقدَّمک من آبائک وذوی قرابتک الذین هم فوقک فی السنّ والفضل"[13]، وقال الزجاج فی تفسیر قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِینَ}[14]؛ أی الجماعة المتقدِّمون[15]. وإلى ذلک أشار الزمخشری فی تفسیره "السلف": معناه ثلّة قد سلفت، وهو مثل ضربه القرآن للذین یُتّعظ بعاقبتهم حتى لا یؤتى بمثل أفعالهم[16]،وقد احتاج لفظ السلف إلى ما یقیّده، فجعل له لفظ "الصالح:، لیُقال: "السلف الصالح"؛ تمییزاً له عن السلف غیر الصالح؛ حیث صار لفظ السلف أعمّ من السلف الصالح ومن غیره.
أمّا فی الاصطلاح، فقد عرّفه أهل المدوّنات بتعریفات عدّة، ففی کشّاف اصطلاحات الفنون ورد أنّه "اسم لکلّ من یُقَلِّد مذهبهُ فی الدین ویتّبع أثرهَ". ولا یوجد فی هذا التعریف تحدیدٌ زمنیّ لعصور السلف. وعلیه، یدخل فیه صراحةً أئمّة المذاهب الفقهیّة، ورؤوس المدارس الکلامیّة کافّة، وعلماء الدین من الأجیال المتعاقبة کافّة بالنسبة إلى من یلیهم؛ لأنّهم مقلَّدون فی ما انتهوا إلیه من آراء فی الدین ومتَّبع أثرهم.
وخصّ الغزالی السلف، فقال: "المراد به مذهب الصحابة والتابعین"[17]، ووافقه على ذلک ابن حجر[18]، ویلاحظ فیه أنّه قد أخرج منه أتباع التابعین، ولم یحدّده بجماعة معیّنة، ولم یستثنَ منه جماعة محدّدة؛ أی عموم الصحابة وعموم التابعین على اختلاف مدارسهم واجتهاداتهم. وبذلک یکون المصطلح أعمّ ممّا انتهى إلیه الفکر السلفیّ المعاصر.
ووسّع البیجوری نطاق المصطلح، فقال: إنّهم الأنبیاء والصحابة والتابعون وأتباعهم والأئمّة الأربعة[19]، حیث تجد فی التعریف توسّعاً؛ إذ ضمّ المدارس والاتّجاهات کافّة أیضاً.
ونَسَب حسن رمضان إلى من سمّاهم "جماعة" أنّهم قالوا: هم أهل القرون الخمسة الأولى بعد الهجرة[20]؛ أی کلّ علماء القرون حتى عام 500 هـ، وبذلک نکون مع تعریف أکثر عمومیّة.
والمستفاد من تعدّد الآراء واختلاف التعریفات: عدم حصول اتّفاق عند أهل العلم على المقصود بالنطاق الزمنیّ لمن یُطلَق علیهم السلف، کما لم یتّفقوا على تحدید متبنّیاتهم ومنهجهم، إلا ما جاء عند المتأخّرین من حصر الموضوع بفئة أهل الحدیث. وبذلک یکون المصطلح مصاغاً صیاغة معاصرة أیدیولوجیّة قصدیّة یُراد به (مجموعة أهل الحدیث فی القرن الثالث) ومن عُدَّ مرجعیّة دینیّة لهم.
ثانیاً: المتغیّرات الفکریّة على عقیدة السلف:
لقد کان أوّل ظهور لفکرة السلفیّة عند الإمام أحمد بن حنبل، وکان ظهوراً خالیاً من التنظیر، أی إنّ فکرة السلفیّة لم تتحوّل آنذاک إلى نظریّة أو مسلک داخل اتّجاه عقدی، وإنْ صارت بعد ذلک مسلکاً عند تیار الحنابلة فی القرن الرابع الهجریّ وما بعده، واستمرّ حتى یومنا الراهن.
وکانت بواکیر ظهور مصطلح عقیدة السلف على خلفیّة نظریّة زعمت أنّ الصحابة والتابعین لم یعملوا العقل والتأویل، ولم یعتمدوا القیاس، وتمسّکوا بالروایة والنصّ، ثمّ ظهر المصطلح على شکل عقیدة خاصّة سمّیت عقیدة السلف على ید أبی عثمان إسماعیل الصابونیّ المتوفّى (449هـ) الذی کتب رسالةً أسماها "عقیدة السلف أصحاب الحدیث"؛ فلم أعثر على وثیقة مدوّنة تشیر إلى استعمال المصطلح بهذا المعنى قبل إسماعیل الصابونیّ، ولم یستعمل هذا المرکّب (عقیده السلف) استعمالاً فی المدوّنات العلمیّة قبل الصابونیّ.
وممّا یتحصّل منه أنّ مصطلح "عقیدة السلف" -بما یحمله من مضامین فکریّة محدّدة- لم یکن معروفاً إلا فی العصور المتأخّرة؛ أی فی القرن الخامس الهجریّ، کما إنّ عقیدة السلف لم تکن ممّا تداولتها أزمنة التأسیس الأولى للمعرفة الدینیّة، فکان مصطلحاً حادثاً غیر مؤصّل أوجدته نزعات أیدیولوجیّة متشدّدة وربطته بالأجیال الأولى؛ لکی تمنحه القداسة والمقبولیّة، وجعلته عَلَماً على مسلک جماعة هم أهل الحدیث، وأُرید منه مجموعة محدّدات عقدیّة داخل التصوّر العامّ ومجموعة توجّهات فی السلوک، وهو -فضلاً عن حداثة مضمونه الفکریّ والدینیّ، وعدم تمتّعه بشرعیّة التأصیل- قد وجّهت إلیه مجموعة من الانتقادات، منها:
1- اضطراب أصحاب هذا الاتّجاه فی تحدید طبقات السلف، فقد تقدَّم أنّ تعریفاتهم لم تحدّد فی البدء زمن السلف ولا عقیدتهم.
2- أنّ السلفیّة لم ترقَ إلى مستوى مذهب فقهیّ، کالمالکیّة، والحنفیّة، والشافعیّة؛ ولا فرقة عقدیّة، کالمعتزلة، والأشاعرة، فلم یعرف التاریخ الفکریّ للسلفیّة أنّها مذهب فقهیّ، کالمذاهب، ولا عقیدة کلامیّة.
3- کثرة الاستثناءات الواردة على المصطلح، بإخراج أهل الفرق والعقائد والاجتهادات الأخرى.
4- وهن الأساس النقلیّ لمفهوم عقیدة السلف، وضعف الاحتجاج به شرعاً.
وسأعرض لهذه الانتقادات إجمالاً:
- فیما یخصّ النقد الأوّل، اتّضح قبل قلیل اختلاف أهل العلم فی طبقات السلف، ومَنْ هم، وأزمنتهم، فمنهم من جعل الأنبیاء (عله) منهم، ومنهم مَنْ قصره على الشیخین، ومنهم مَنْ جعله فی الراشدین الأربعة، وسرّاه آخرون إلى الصحابة کافةً، وعدّاه غیرهم إلى الصحابة والتابعین، وتوسّع آخرون، فأدخلوا أتباع التابعین وأئمّة المذاهب، وأدخل فریق فیهم سفیان الثوری، وابن عیینة، واللیث بن سعد، وعبد الله بن المبارک، وسائر أصحاب السنن والمسانید[21]. کما أدخلوا معهم الذین اتّبعوا طریق الأوائل دون مَن وصف بالبدعة[22] بامتداد زمنیّ. وهکذا، فنحن بإزاء تعدّد کبیر فی آراء المعنیین بأنّهم أجیال السلف، فهم لم یتّفقوا على مفهوم محدّد.
أمّا النقد الثانی، فقد ظهر عند الشیخ محمد رمضان سعید البوطیّ (رحمه الله) الذی ألّف کتاباً أسماه "السلفیّة مرحلة زمنیّة، ولیس مذهباً" أثبت فیه أنّ السلفیّة لا تعبّر إلا عن مرحلة لها قیمها الدینیّة، ولیست مذهباً یکشف عمّا هو من الدین وما لیس من الدین[23]، وهی لیست فرقةً عقدیّةً -کالمعتزلة والأشاعرة والشیعة- بحیث تنطلق من أسس عقدیّة، ولها تاریخ عقدیّ واضح؛ فأعلام تلک المرحلة ربّما کان بعضهم أشعریّاً، وکان بعضهم معتزلیّاً، ومنهم مَن کان له میل إلى التشیّع، مثل سفیان الثوریّ. وهکذا فلم یکونوا على مسلک واحد فی المعرفة الکلامیّة أو الفقهیّة، حتى یوصفوا بأنّهم "جماعة لها رؤیة إیمانیّة واحدة".
أمّا النقد الثالث، فإنّ مفهوم السلف قد وردت علیه استثناءات کثیرة، وواضح أنّ کلّ مفهوم کلّیّ ترد علیه استثناءات، فإنّها تضعفه؛ لأنّها توهن قوّة المفهوم، ومفهوم السلفیّة الذی یراد له أن یکون مسلکاً دینیّاً وقیمیّاً ویراد أن یکون أنموذجاً، لا بدّ من أن یسلم من الاحترازات والاستثناءات الکثیرة، فی حین أنّ منظّریه احترزوا أن لا یشمل علماء وشخصیّات أزمنة التأسیس، ولاسیما ممّن رمی ببدعة، وأرید بهذا الاتّهام القدریّة والغلاة والشیعة والأشاعرة والصوفیّة وأهل الکلام والمرجئة وبعض أئمّة المذاهب الکبرى، کأبی حنیفة. وبذلک نلحظ أنّ إخراج هؤلاء على کثرتهم من مصطلح السلف یقلّل من قوّته وتماسکه[24]، ویحصره فی شریحة صغیرة من الذین لم یکن لهم دور فی التطوّر المعرفیّ الکلاسیکیّ فی القرون الأربعة الأولى، إلا فی مجال روایة علم الحدیث، فلم یتبقَّ -بعد إخراج هؤلاء جمیعاً من مسمّى السلف- إلا مجموعة یتطابق سلوکهم مع الأنموذج المتأخّر لتصوّر السلفیّة، وهم المشتغلون بعلم الحدیث الذین زعموا فقط أنّهم أهل الحقّ، وأنّهم الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجیة؛ لأنّ علماء العصور الثلاثة (الصحابة، والتابعون، وأتباعهم) قد توزّعوا على الفرق الکلامیّة والمذاهب الفقهیّة التی قد تکوّنت وظهرت فی تلک العصور، وکان بینهم من الاختلافات الأصولیّة واختلاف الفروع ما هو معروف؛ بل کان بعضه مدعاةً إلى الاقتتال بینهم، فاختیار مجموعة من هؤلاء واعتبارهم وحدهم هم السلف فیه قدر کبیر من الانتقائیّة وعدم المعیاریّة التاریخیّة والفکریّة[25]. وعلى الرغم من هشاشة المفهوم وضعف مصادیقه، فقد أظهرت السیاسات الرسمیّة أنّ مفهوم السلف -حتى فی مصادر الاستنباط- مفهوم ضعیف، وقد وضع فی أصول الأحکام بعنوان مذهب الصحابیّ ضمن المصادر التی یستقی منها القانون الشرعیّ الإسلامیّ بوصفه أصلاً ومرجعاً للاستنباط، لکنّ أبا حامد الغزالی تصدّى له وبدّد قیمته العلمیة، بقوله "إنّ من یجوز علیه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه؛ فلا حجّة فی قوله، فکیف یُحتجّ بقوله، وکیف یُتصوّر عصمة قوم یجوز علیهم الاختلاف بینهم، وتصریحهم بجواز مخالفة بعضهم بعضاً. هذه ثلاثة أدلّة قاطعة على أنّ مذهب الصحابیّ من الأدلّة الموهومة"[26].
وأما النقد الرابع، فقد انصبّ على المستند النقلیّ المرجعیّ لفکرة السلفیّة، فأصحاب الفکرة السلفیّة یستندون إلى حدیث "خیر القرون قرنی"، فهو المستند الأساس لمشروعیّة مفهوم عقیدة السلف. والحدیث -حسب ما جاء فی المسانید- أنّ رسول الله (ص) قال: "خیر القرون قرنی، ثمّ الذی یلونهم، ثمّ الذی یلونهم"[27]، وهذا الحدیث بهذا النصّ المرویّ هو القدر المتیقّن الذی یمکن اعتباره نصّاً للمحاججة فی صحّة صدوره؛ لأنّه روی بأکثر من متن، فقد زید علیه أنّه (ص) قال: "ثمّ یأتی من بعدهم قوم یشهدون ولا یستشهدون"، وزاد ابن حبّان علیه قوله: "ثمّ یفشوا الکذب، حتى یقبل الرجل على الیمین قبل أن یستحلف علیها، ویشهد على الشهادة قبل أن یستشهد علیها"[28]. وبذلک تتعدّدت متون الحدیث، بما یجعله -بسبب هذا الاضطراب فی روایة النصّ- غیر صالح لأن یکون مستنداً دینیّاً لمفهوم فقهیّ ظنّی، فضلاً عن المفهوم العقدیّ. ویناقَش الحدیث بأمور أخرى، هی:
- إنّ للحدیث -على رأی بعض علماء التخریج- سنداً واحداً هو عمران بن حصین.
- وقیل فی إسناده: إنّ اختلاف متونه المرویّة والاضطراب فی المتن یقلّل من وثاقة النصّ.
- یفهم من دلالة الحدیث أنّه عبارة عن تحذیر من الرسول (ص) من أقوام تأتی بعد الأزمنة الأولى تستسیغ الکذب ولا تعتنی بالقسم، وتبادر إلیه قبل أن تُدعى إلیه، کما تبادر إلى الشهادة قبل أن یُطلب منها أن تدلی بها؛ ما یشیر إلى قلّة الالتزام الدینیّ والأخلاقیّ، وهذا التحذیر لا یحدّد أشخاصاً بعینهم؛ إنّما یؤشّر إلى الظواهر أو السمات العامّة التی ستظهر فی الأزمنة اللاحقة على أزمنة التأسیس.
- إذا حمل معنى الحدیث على أفضلیّة أهل الأزمنة السابقة على اللاحقة؛ فإنّه یؤسّس لإهدار القیمة المعنویّة لهذه الأجیال. وهذا غیر متصوّر صدوره عقلاً عن النبی (ص).
- ثمّة حدیث یعارضه هو "مثل أمّتی کالمطر، لا یدرى أوله نفع أم آخره"[29]، والحدیث إذا تعارض مع نظائره تطبَّق علیه معاییر التعارض، فإذا لم نستطع الجمع بینهما، یُصار إلى تساقط الخبرین، وقد ذکره ابن طاهر المقدسیّ فی کتابه "معرفة التذکرة"، وذکر فی إسناده هشام بن عبید الله الرازی، وهو متّهم، وتوصَّل إلى بطلان الاحتجاج به، ولاسیما وقد عارضه "خیر القرون"[30].
- إنّ مفهوم الخیریة فی النصّ یصحّ للجیل والمرحلة کلّها إجمالاً، دون أن یفهم منها أنّ کلّ واحد من أفراد ذلک الجیل هو خیر من کلّ فرد من الأجیال اللاحقة[31].
- حینما خاطب القرآن الکریم کلّ الأمّة بقوله تعالى: {کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}[32]، فقد صّرح بأنّ أولهم وآخرهم جمیعاً خیر أمّة أخرجت للناس، ولم یحدّد فقط الخیریّة بالأجیال الأولى[33]، وفی ذلک یتعارض الحدیث مع القرآن الکریم؛ فقد أناط الخیریّة بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، من دون تخصیص بجیل أو فئة أو أفراد، وجعل المناط أداء المهمّة الربّانیّة فی هدایة البشر من أین ما حصلت من أجیال المؤمنین.
وبذلک یتعارض الفهم السلفیّ للنصّ الحدیثیّ مع النصّ القرآنیّ الصریح. وحسب قاعدة العرض التی تقول إنّ ما خالف القرآن یضرب به عرض الحائط؛ فإنّ الفهم السلفیّ للحدیث معارض بالقرآن الکریم، ولا قیمة احتجاجیّة له.
ومجموع النقد الموجَّه إلى مفهوم "عقیدة السلف" یلخَّص بأنّ هذا المفهوم لم تستقرّ له سمات فکریّة واضحة وخصائص منهجیّة جلیّة فی العقائد والسلوک، ولم یتحوّل إلى ما انتهت إلیه المذاهب الفقهیّة أو الفرق من تکامل نظریّ ومنهجیّ، وظلّ مفهوماً غیر مؤطّر نظریّاً ولا مؤسّس منطقیّاً، لذلک کثرت الآراء الشاذّة والمتعارضة التی تزعم أنّها من نتاج ذلک المفهوم العقدیّ، ومنها: تسویغ استخدام العنف ضدّ الآخر لنشر الدین، ثمّ نزع المتطرّفون الخصیصة الزمنیّة منه لیتحوّل من مفهوم للمرحلة التاریخیّة إلى مفهوم دینیّ لا یمثّل مرحلةً زمنیّةً معیّنةً لها ظروفها ونتاجها ومواطن قوّتها وضعفها، فصار اتّجاهاً أیدیولوجیّاً للفکر الأصولیّ، على الرغم من أنّ النصّ المؤسّس له یرتکز أساساً على المعطى الزمنیّ؛ لأنّ الحدیث عبّر بالقرن "وهو المدّة الزمنیّة المعروفة"، فضلاً عمّا سبّبه هذا المفهوم من إهدار القیمة الإیمانیّة للأجیال المتأخّرة وعطائها الثریّ فی مجال المعرفة الدینیّة، ما لا یتصوّر صدوره عن مقام النبوّة الراعیة لکلّ المؤمنین، ولا یتصوَّر من نبی الإسلام إهدار المستقبل الدینیّ للإسلام من خلال إهدار القیمة الإیمانیّة لأجیال المسلمین بهذا الشکل من النبؤات وما أنتجته من فکر وحضارة وقیم ومعارف مهمّة.
ومن خلال التتبّع الواقعیّ، نجد أنّ هذا المفهوم قد تحوّل إلى أیدیولوجیا تمییزیّة وإقصائیّة، بعد أن تأسّس بانتقائیّة واضحة، ولاسیّما وقد اقترن به مفهوم الفرقة الناجیة، والطائفة المنصورة، وما إلى ذلک من اختزال الأمّة فی جماعة، وکان هذا ما ساد فعلاً فی الواقع التاریخیّ فی القرنین الرابع والخامس، وما اقترن به من فکر ابن تیمیّة الحرانیّ الذی تسبّب فی الأزمات المتعدّدة التی نشأت فی عصره وما بعده، وما حوّلته الوهّابیّة بعد ذلک من مجتهد فی إطار الإسلام له آراؤه یؤخذ منه ویرد علیه، إلى مدرسة فکریّة معصومة ومرجع تصحیحیّ ومعیاریّ للأفکار والتشریعات التی ادّعت -أیضاً- انطلاقها والتزامها بعقیدة السلف، فأشاعت مفهوماً خاصّاً لـ"توحید الله" على وفق فهمهم السلفیّ، وعاقبت الآخرین ممّن یخالفونها حتى فی التفاصیل الدقیقة من دون أدنى تأمّل فی احتمال أن یکون الآخر على شیء من الحقیقة الدینیّة.
ثالثاً: تفنید دعاوى بعض السلفیین الوهّابیّین:
حاول بعض الکتّاب المنتمین إلى السلفیّة الوهّابیّة الترویج لفکرة أنّ حرکة جمال الدین الأفغانیّ قد تأثّرت بالدعوة السلفیّة للوهّابیّة، ویرى بعضهم أنّها جزء من تداعیاتها، لکنّ هذا الزعم لا یصمد أمام النقد؛ لوجود فوراق أساسیّة فیما بین الرؤیتین؛ وذلک أنّ حرکة الأفغانی لم تنطلق من أنّ الإسلام دین وقع أتباعه فی شیء من الانحراف -کما تتبنّى الوهّابیّة- إنّما ترى الناس جمیعاً مسلمین صالحین ومؤمنین ومتساوین فی المرتبة الإیمانیّة، وترى الإسلام دیناً ومدنیّةً قابلةً للاستئناف الحضاریّ، فدعت إلى استنهاض القیم المدنیة فی الإسلام من خلال کلّ المسلمین، بینما رکّزت دعوة الوهّابیّة على تصحیح العقائد الدینیّة للناس وتصحیح الإیمان على خلفیّة التمییز بین مَن یرون سلامة عقیدتهم وبین غیرهم، فقد کانت الوهّابیّة تعالیم تصحیحیّة خالصة، فی حین کانت رؤى الأفغانیّ قد فلسفت التعالیم الدینیّة وحوّلتها إلى باعث على سلوک اجتماعیّ ومدنیّ یسعى نحو النهضة. ولم یصرف الأفغانی الأنظار إلى نمطین من الناس (المؤمنون، والمنحرفون) لیؤسّس صراعاً بینهما؛ إنّما صرف الأنظار لمدنیّتین متعارضتین: المدنیّة الأوروبیّة بمکوّناتها التاریخیّة (الیونانیّة والمسیحیّة واللیبرالیّة الحدیثة)، والمدنیّة الإسلامیّة بمکوّناتها التاریخیّة (النصوص والاجتهادات والتجربة التاریخیّة) للإسلام، داعیاً إلى إحیاء الثانیة مقابل الأولى. فلقد کان متأثّراً بالمفکّر جیزو ومحاضراته عن تاریخ المدنیّة فی أوروبا، وقد ترجم الأفغانی هذه المحاضرات[34]؛ فهو -إذاً- داعیة للحقوق المدنیّة والدولة المدنیّة المرتکزة على الفکر الإسلامیّ والقیم النبیلة للإسلام، من دون أن یُوجد شرخاً فی هذا الدین، أو فاصلة تفصل المؤمنین على ثنائیّة مسلم سلیم العقیدة ومسلم غیر سلیم عقدیّاً.
ویؤسّس الأفغانیّ على أنّ الهدف من أعمال الإنسان وفعّالیّاته لا ینحصر بطاعة الله تعالى، بل إنّ جزءاً من ماهیّتها أن تدعم القیم الإنسانیّة وتخدم وجود الإنسان[35] وکرامته وحقوقه وسعادته، وإذا کانت الاتّجاهات السلفیّة الماضویّة قد جعلت هدفها استعادة الخلافة، کما طبّقت ذلک فی الماضی، فقد رکّز الأفغانیّ على فکرة الجامعة الإسلامیّة، ناظراً إلى الحاضر والمتغیّرات فی الوضع التاریخیّ للعالم، ومقدّماً تصوّراً لدولة معاصرة حدیثة على ثوابت إسلامیّة.
وفی حین اهتمّ الأفغانیّ ومحمد عبده کثیراً بتجدید الفکر الدینیّ وتطویره ودمجه بالفکر الحدیث، اهتمّت الحرکة الوهّابیّة بالتطهیر الدینیّ، ولکنْ على أنموذج سلفیّ ماضویّ جعلت منه الأنموذج الوحید للخلاص.
إذاً، فطبیعة المشروع الوهّابیّ طبیعة ماضویّة، بینما طبیعة مشروع الأفغانیّ طبیعة مدنیّة ناظرة إلى الحاضر والمستقبل، حیث اهتمّت کثیراً بالحاضر، وکان لدیها رؤیة مستقبلیّة[36].
استهدف المشروع الوهّابیّ السلوکیّات والعادات الاجتماعیّة التی عدّها الناس من الدین، فتولى هو مهمّة التصحیح؛ بینما استهدف مشروع الأفغانیّ نقد الفکر الدینیّ غیر البرهانیّ، وسعى إلى تجدید تفسیرات النصّ الدینیّ التی تعارضت مع العقل والعلم. وهنا نشیر إلى أنّ مشروع الأفغانیّ مشروع منتج لمعرفة دینیّة جدیدة متصالحة مع العصر، فی حین أنّ المشروع الوهّابیّ مشروع مصحِّح للمعرفة الدینیّة السائدة آنذاک وفق أنموذج ماضویّ[37].
بناءً على ما تقدّم، نرى أنّ الباعث على ظهور کلٍّ من الحرکتین کان مختلفاً، من جهة المبادئ والمنطلقات، ومن الضروری التنویه بتراجع السید محمد رشید رضا عن بعض متبنّیات دعوة (الأفغانی-عبده) وتأثّره إلى حدّ کبیر بالمشروع السلفیّ الوهّابیّ، ودعوته إلى استعادة الخلافة بالصیغة التقلیدیّة، فقد ذکر علی بن نایف الشحود فی موسوعة الخطب والدروس أنّ رشید رضا یعتبر من السلفیّین[38]، وبذلک یمکن القول إنّ رشید رضا هو أوّل من فتح المجال لظهور حرکات الإسلام السیاسیّ التی نادت باستعادة الخلافة المتأثّرة بالسلفیّة إلى حدّ کبیر، وقد ظهر ذلک فی جمعیّة أنصار السنّة المحمّدیّة التی أسّسها محمد حامد الفقیّ والتی أخرجت عدّة إصدارات، منها: الدعوة السلفیّة، والمجلة الشهریّة باسم "التوحید"[39]، وأدّت إلى ظهور جمعیّة الإخوان المسلمون التی أسّسها حسن البنّا 1928م، تلک الجماعة الأصولیّة ذات المضمون السلفیّ الصوفیّ الدعویّ فی بدایة أمرها، ثمّ السلفیّ الانقلابیّ العنفیّ فی مراحلها الوسطیّة.
ویحاول کتّاب الحرکة الوهّابیّة کذلک أن یروّجوا إلى أنّ الحرکة السنوسیّة فی شمال أفریقیا کانت هی الأخرى متأثّرةً بالوهّابیّة، ونحن هنا نرى أنّها هی الأخرى مختلفة فی المبادئ والمنطلقات، فمنطلقات الحرکة السنوسیّة کانت مقاومة الاستعمار الإیطالیّ الذی احتلّ لیبیا عام 1911م، وقد استعملت الجهاد بوصفه مفردةً دینیّةً لمواجهة الاستعمار الإیطالیّ، فهی حرکة تمتلک نزعةً لتحریر الأوطان من الهیمنة الأجنبیّة، وتحریر الإنسان من الاضطهاد والاستلاب، وتنتهج لأجل تلکم الأهداف نهجاً مقاوماً، ولیس منهجاً لمواجهة مواطنیها ممّن تراهم قد انحرفوا عقدیّاً عن مسلکها، وقد استلهمت السنوسیّة مفهوم المرابطة الجهادیّة (التربّص والاستعداد) لإدامة المقاومة للمستعمر، وکانت وظیفتها مقاومة الاحتلال الإیطالیّ[40] من دون أن توجّه هذه المفردات الدینیّة للمخالفین لها فی الرأی.
ولقد عالجت السنوسیّة الانحرافات العقدیّة فی المجتمع اللیبیّ بالدعوة والتصحیح والموعظة الحسنة؛ أی الأمر بالمعروف، وکانت تمزج بین الفقه والتصوّف، وترى التصوّف وسیلةً لتزکیة النفس، بینما ترفض الوهّابیّة التصوّف جملة وتفصیلاً، وتعدّه بدعةً وشرکاً، وتهدر الوهّابیّة الواقع الراهن لأجل فهم محدود للنصوص التراثیّة، وترى الواقع الراهن کفراً؛ بینما تسعى السنوسیّة إلى الجمع بین الحقیقة الدینیّة والواقع الزمانیّ باستخدام البرهنة العقلیّة على المقولات الدینیّة التی تحتضن الواقع وتکیّف مجریاته؛ لیکون ضمن المسار العقدیّ والفقهیّ فی الإسلام، ولم تتعصّب الحرکة السنوسیّة ضدّ المخالفین لها من المسلمین أو من أتباع الدیانات الأخرى، على الرغم من أنّ الجزء الجوهریّ من أهدافها مقاومة الاستعمار الذی یستلزم معاداة المسیحیّة[41]، فلم تعلن الحرب ضدّ مواطنی بلدانها من غیر المسلمین، بینما لا نجد موقفاً متسامحاً وإنسانیّاً فی الفکر الوهّابیّ من أتباع الدیانات الأخرى.
لکن، لا ینکر أنّ الحرکة الوهّابیّة قد أثّرت فی بعض أوساط المعرفة الدینیّة فی مناطق عدّة، مثل الیمن؛ کما حصل للسید محمد بن إسماعیل الصنعانیّ (ت1182هـ) صاحب التفسیر المعروف، ومؤلّف کتاب "تطهیر الاعتقاد من أدران الإلحاد"، وأثّرت على محمد علی الشوکانیّ (ت1225 هـ) صاحب کتاب "نیل الأوطار" ومؤلّف کتاب "إرشاد الفحول"، وأظنّ أنّ سبب التأثّر ربّما تماثل البیئة الاجتماعیّة والمعرفیّة بین الیمن والحجاز فی القرن الثالث عشر الهجریّ، وبعد القرن الثالث عشر الهجریّ أوجد الفکر السلفیّ الوهّابیّ أتباعاً له فی غیر الحجاز؛ کما فی مصر وتونس وباکستان وجنوب شرق آسیا، إذ نشأت فی هذه البلدان حرکات سلفیّة متطرّفة بسبب التخلّف الاقتصادیّ، ونقص الموارد؛ حیث تمّ ترویج الفهم السلفیّ للإسلام الذی استندت إلیه الحرکات الجهادیّة فیما بعد بوصفه أساساً فکریّاً، وساعدتها ظروف تلک البلدان التی استعمرها الغرب؛ فمن خلال التحریض على مقاومة الغرب الکافر، تمّ الترویج للسلفیّة الجهادیّة التی دمجت فی النظرة إلیه بین صورته العدوانیّة وإنجازاته الحضاریّة والمدنیّة، فخاصمت عدوانیّته، کما خاصمت مدنیّته وإنجازاته، فصوّروا الغرب بکلّ ما فیه أنّه الضدّ الحضاریّ للإسلام السلفیّ الذی یریدونه أنموذجاً، وساعد على انتشار ذلک الفکر وجود إسرائیل وهزیمة العلمانیّة العربیّة وتجاربها، ولاسیما فی حزیران 1967م، وعند ذاک وضع السلفیّون مسؤولیّة الهزیمة على التیار العلمانیّ الحاکم آنذاک فی معظم البلدان العربیّة، کما حمّلوها مسؤولیّة الفقر والتخلّف، لیعلن شعار "الإسلام هو الحلّ"، ویرتفع شعار "استعادة الخلافة"؛ بوصفه واجهة للفکر السلفیّ، مبرّرین ذلک بأنّ العصور التاریخیّة هی عصور الازدهار والانتصارات، وأنّ العصور اللاحقة هی عصور الهزائم والاستلاب، ومن هنا وجدنا نزعة ماضویّة.
کان کلّ ذلک مقدّمات تعبویّة لاستقطاب الناس لتقبّل التیارات السلفیّة. وهکذا نمت السلفیّة وتکاثرت بصورها المتعدّدة، فکانت السلفیّة التقلیدیّة والسلفیّة المعرفیّة والدعویّة، وأخیراً السلفیّة الجهادیّة التی عدّت مرکّباً من السلفیّة التقلیدیّة بوصفها حرکة ذات بعد تغییریّ تطهیریّ، لا تستند فی التغییر إلا إلى القوّة، والقتل، والسبی، ونهب الممتلکات، حیث اعتبرت الجهاد الطریق الوحید إلى التغییر. وفی هذا الصدد یقول أبو محمد المقدسی: إنّ "السلفیّة الجهادیّة تیار یجمع بین الدعوة إلى التوحید بشمولیّته والجهاد، أو قل: هو تیار یسعى إلى تحقیق التوحید بجهاد الطواغیت".
رابعاً: نقد الفهم الأصولیّ للنصوص المرجعیّة (مستند السلفیّة المعاصر):
یلاحظ المتتبّع فی مسلک عقیدة السلف أنّهم فی الوقت الذی یرفضون فیه التقلید، یؤسّسون مذهبهم على تقلید أصحاب القرون الثلاثة، فقد تواتر أنّ الأئمّة الثلاثة لمذاهب أهل السنّة لا یجیزون تقلید من هم دون الصحابة، وبعضهم لا یقلّد الصحابة إلا حینما یجمعون على حکم شرعیّ، لکنّ الإمام أحمد صرّح بأنّه یتبع السلف بطبقاته الثلاث[42]، وخالفه ابن تیمیّة وشدّد على رفض التقلید نظریّاً، ولکنّه عملیّاً کان متمسّکاً بشدّة بآراء الإمام أحمد بن حنبل[43] فی الأخذ بآثار القرون الثلاثة.
أمّا منظّرو الحرکة الوهّابیّة فهم یفصّلون الأمر أکثر، فما ورد فیه نصّ یأخذون حکمه من النصّ مباشرة دون الرجوع إلى اجتهاد المجتهدین، ومعلوم أنّ المراد بالنصّ "الآیة القرآنیّة والحدیث الصحیح"، على معاییر خاصّة بهم، ویراد بالمجتهدین "الصحابة والتابعین وأئمّة الاجتهاد". وبذلک تهدر الجهود التاریخیّة للاستنباط. أمّا ما لم یرد فیه نصّ قرآنیّ أو حدیثیّ، فقد زعموا أنّهم یرجعون فی ذلک إلى الإمام أحمد بن حنبل وابن تیمیّة[44].
ویلاحظ هنا الاضطراب فی أسس تکوین المسلک العقدیّ والمنهجیّ والفقهیّ للسلفیّة؛ ففی الوقت الذی یرفضون فیه التقلید جملة، فإنّهم فی الواقع أتباع لابن تیمیّة، وهو تابع مقلّد للإمام أحمد بن حنبل، کما إنّهم یقرّون بأنّ ما لیس لدیهم فیه نصّ یرجعون فیه إلى فقه أحمد، وکذلک فی أسس استنباط الأحکام، فما کان فیه نص فقد جمدوا فیه على معان ٍفهموها، حتى وصفهم محمد عبده أنهم أضیق صدراً من المقلّدین، أما ما لم یکن فیه نصّ فزعموا أنّهم یقلّدون فیه الإمام أحمد، ومع ذلک کلّه فقد خالفوه فی تکفیر الناس[45]، وخالفوا قوله بعدم البأس بزیارة الأولیاء، والتبرّک برمانة منبر النبی، وخالفوه فی حرمة الخروج على الحاکم الجائر.
فإذا جمعنا مع ما تقدّم من الإصرار على تبنّی فهم الصحابة والسلف للنصوص الدینیّة على ما یتمیّز به هذا الفهم من إمکانیّة الجمع بین الرأی ونقیضه، ثمّ أضفنا إلیه مبدأ أنّ حدیث الآحاد لا یؤسّس للعلم والعقائد، وهو محلّ اعتراض من أکثر أهل العلمن، فإنّ جلّ اعتمادهم فی موضوع السلف والسلفیّة حدیث آحاد لا یؤسّس رؤیة عقدیّة ولا یصلح دلیلاً على أمر یجب أن یکون قطعیّاً.
کلّ ذلک إلى جانب الالتزام بحرفیّة النصّ وتقدیمه على العقل والمنطق. ومن مجموع ما تقدّم یتکوّن لدینا منهج عمل لکلّ الجماعات السلفیّة، على الرغم من کلّ اختلافاتهم التفصیلیّة.
خاتمة:
إنّ هذا الفکر، أو هذا المنهج، یحمل بذور تطرّفه فی داخله أو فی بنیته الذاتیّة، کما یحملها فی رؤاه وفی فکره، ویحملها فی آراء رجاله وعلمائه، وفی مصادره، وفی مواقفه، ویحملها فی لبّ منهجه الذی یقدِّم حرفیّة النصّ على العقل. ولا یفیدنا هنا أن نعرف أنّ المنهج السلفیّ ینقسم کما یحلو للبعض أن یقسّمه، إلى توجّه رسمیّ مقنّن ترعاه هذه الدولة أو تلک، وتوجّه جماعات سلفیّة متطرّفة تعرض النصّ المقدّس على فهمها المجرّد أو على آراء ابن تیمیّة وتلمیذه ابن القیم أو الشیخ محمد بن عبد الوهاب، لتستنتج منه آراءها ومواقفها. أقول لا یفیدنا هذا التقسیم؛ لأنّ المنهج السلفیّ فی الاستدلال إنّما یقوم على الانتقائیّة التی تناسب الظرف السیاسیّ والاجتماعیّ الذی تعیشه تلک الجماعات؛ فینتقی قادة السلفیّین المعاصرین أیّاً من السلف ترید هذه الجماعة أو تلک أن تعضد رأیها بهم وتبرّر موقفها؟ ولعلّ هذه الانتقائیّة فی اختیار السلف سمة لازمة، بل أصل من أصول الفکر السلفیّ.
إنّ السلفیّة هی المنتجة للسلفیّة الرسمیّة المقنّنة والسلفیّة الجهادیّة المتطرّفة، وفیما عدا هذا الانتقاء، فإنّ السلفیات متشابهة فی منهاجها ومبادئها وطرق استدلالها.
وبالمحصّلة، فإنّ المنهج السلفیّ مشروع دینیّ للتطرّف، وذو استمراریّة ذاتیّة فی محیط الزمان والمکان؛ بسبب الاعتقاد الجازم بامتلاک الحقیقة المطلقة بشکلها النهائیّ، مع کون ذلک الاعتقاد غیر قابل للنقاش أو الحوار.
ومن جهة أخرى، فإنّ المحاولات الیائسة التی ینخرط فیها أتباع المنهج السلفیّ فی التوفیق بین المثال الذی فی أذهانهم وبین الواقع المباین لهذا المثال جملةً وتفصیلاً، قد مُنیت بالفشل فی أکثر محاولات التکیّف مع واقع یناقض فکرتهم عن ثبات الحقیقة؛ کما شرحها السلف. ثمّ إنّ نقطة الانطلاق لکلّ محاولة سلفیّة تنتهی بمنهج متطرّف؛ لأنّها تحمل بذور تطرّفها فی داخل منهجها، وعلیه؛ فإنّ جدلیّة الاعتدال والتطرّف تقابل جدلیّة الکفر والإسلام، ولن تنتهی أزمة التطرّف بإنهاء هذه الجماعة أو محاورة تلک أو تفنید رأی هذه؛ لأنّها نزعة ذات استمراریّة حتمیّة فی فضاء الزمان والمکان الذی یکتنفه التخلّف المنهجیّ، وهی ذات حضور جاذب فی من لا یمتلک رؤیة أو منهجاً برهانیّاً ممّن یقرأ کتابات ابن تیمیّة وابن القیّم ومحمد بن عبد الوهاب؛ لینتمی إلى الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة، وهی ذات استمراریّة حتمیّة؛ لأنّها تلبّی شعور الغربة الطاغی الذی یحیط بأتباعها ومؤیّدیها؛ بسبب تباین قناعاتهم مع قناعات التیّار العامّ للمسلمین، وبسبب استعصاء تطویع النصّ بمفهومه السلفیّ الجامد فی الزمان والمکان على التکیّف مع حرکیّة الواقع والعقل، وأحیاناً کثیرة مع المنطق البدیهیّ للأمور.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من العراق.
[2] سورة المائدة، الآیة 89.
[3] سورة المائدة، الآیة 1.
[4] سورة البقرة، الآیة 235.
[6] انظر: فرحان، حسن: قراءة فی کتب العقائد، المذهب الحنبلیّ أنموذجاً، لا ط، لا م، مرکز الدراسات التاریخیّة، لا ت، ص11.
[7] انظر: الراوندی، قطب الدین : منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة، قم المقدّسة، مرکز أبحاث نهج البلاغة، 1386هـ.ق، ج1، ص32.
[8] انظر: الفیومی، أحمد بن محمد: المصباح المنیر فی غریب الشرح الکبیر، ط1، قم المقدّسة، دار الهجرة، 1405هـ.ق، ج1، ص266.
[9] انظر: الدارقطنی، علی بن عمر: السنن، ط1، وزارة الاوقاف المصریّة؛ جمعیة الکنز الإسلامیّ، 1426هـ.ق، ج1، ص17.
[10] سورة الحجرات، الآیة 14.
[11] النیسابوری، مسلم: صحیح مسلم، بیروت، دار الفکر، ج1، ص46.
[12] انظر: ابن مکرم، محمد (ابن منظور): لسان العرب، قم المقدّسة، نشر ادب حوزه، 1405هـ.ق/ 1363هـ.ش، ج9، مادّة "سلف"، ص158.
[13] الزبیدی، محمد: تاج العروس، تحقیق: علی شیری، بیروت، دار الفکر، 1414هـ.ق/ 1994م، ج12، مادّة "سلف"، ص280.
[14] سورة الزخرف، الآیة 56.
[15] انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج9، ص159.
[16] انظر: الزمخشری، محمود: تفسیر الکشاف، مصر، شرکة مکتبة ومطبعة مصطفى البابی الحلبی وأولاده، 1385هـ.ق/ 1966م، ج3، ص78.
[17] الغزالی، أبو حامد: إلجام العوام عن علم الکلام، القاهرة، دار الرشاد، 1932م، ص45.
[18] انظر: العسقلانی، ابن حجر: فتح الباری، المطبعة البهیّة المصریّة، 1352هـ.قج6، ص157.
[19] انظر: البیجوری، إبراهیم: تحفة المرید شرح جوهرة التوحید، مصر، دار السلام للطباعة مصر، 2005م، ص231.
[20] انظر: رمضان، حسن محسن: تشریح الفکر السلفیّ، ط1، سوریا، دار الحصاد، 2009م، ص70.
[21] انظر: رمضان، تشریح الفکر السلفیّ، م.س، ص77.
[23] انظر: البوطی، محمد رمضان سعید: السلفیة مرحلة زمنیّة، السعودیة، دار الفکر العربی المعاصر؛ بیروت؛ دمشق، دار الفکر، 1985م، ص40-55.
[24] انظر: البریکان، إبراهیم محمد: تعریف الخلف بمنهج السلف، الدمام، دار ابن الجوزی، 1998م، ص13.
[25] انظر: الکثیری، محمد: السلفیّة بین أهل السنّة والإمامیّة، ط1، سوریا، دار الحصاد، 2009م، ص75.
[26] الغزالی، أبو حامد: المستصفى فی أصول الفقه، تصحیح: محمد عبد السلام عبد الشاطی، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1417هـ.ق، ج1، ص424.
[27] ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، تحقیق: محمد عبد السلام، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1993م، ج3، ص 13.
[28] العسقلانی، ابن حجر: تخلیص الحبیر فی أحادیث الرافعی الکبیر، ط1، مصر، المطبعة السلفیة، 2004م، ج4، ص204.
[29] السخاوی، محمد: المقاصد الحسنة، مصر، مطبعة الصدیق، 1956م، ج1، ص199.
[30] انظر: ابن حجر، فتح الباری، م.س، ج7، ص6.
[31] انظر: الشحود، محمد علی: العقائد السلفیّة، الریاض، هیئة إدارة البحوث، 1999م، ص11؛ النمری، ابن عبد البر، التمهید، تحقیق: العلوی، الرباط ، مطبعة الآفاق، 1967م، ج7، ص151.
[32] سورة آل عمران، الآیة 110.
[33] وفی هذه الحالة من التضارب بین نصّ الحدیث ونصّ القرآن؛ فإنّ المنهج المعتمد یقضی بالإعراض عن نصّ الحدیث.
[34] انظر: المرعشلی، هانی: العقل والدین، الإسکندریّة، المکتب العلمی للتوزیع والنشر، 2001م، ص119.
[35] انظر: حورانی، ألبرت، الفکر العربی فی عصر النهضة، ترجمة: کریم عزقول، بیروت، دار نوفل، 1987م، ص144.
[36] انظر: مجموعة من المؤلّفین: الحرکات الإسلامیّة، إشراف: عبد الغنی عماد، مرکز دراسات الوحدة العربیة، 2013م، ج1، ص58.
[37] انظر: بلقزیز، عبد الإله: الإسلام والسیاسة دور الحرکات الإسلامیّة فی صوغ المجال السیاسیّ، بیروت، المرکز الثقافی العربی، 2001م، ص194.
[38] انظر: الشحود، علی بن نایف: موسوعة الخطب والدروس، مکتبة المدینة المنورة، 2003م، ج1، ص213.
[39] انظر: کمال، جمعة محمد: انتشار دعوة ابن عبد الوهاب خارج الجزیرة، جامعة الامام محمد بن سعود، 1980م، ص60.
[40] انظر: الدجانی، أحمد صدقی: الحرکة السنوسیّة، ط1، عمان، منتدى الفکر العربی، 1997م، ص37-39.
[41] انظر: حورانی، الفکر العربی فی عصر النهضة، م.س، ص144.
[42] انظر: أبو زهرة، محمد: الإمام أحمد بن حنبل حیاته وآرائه، القاهرة، دار الفکر العربی، ص77.
[43] انظر: ابن تیمیة، أحمد: الفتح المجید، المدینة المنوّرة، جامعة محمد بن سعود الإسلامیّة، المدینة، 1405هـ.ق، ص388.
[44] انظر: عبد الحمید، صائب: الوهّابیّة فی صورتها الحقیقیّة، ط2، بیروت، مرکز الغدیر للدراسات، 1417هـ.ق/ 1997م، ص33.
[45] انظر: ابن عبد الوهاب، محمد: کشف الشبهات، السعودیّة، وزارة الشؤون الإسلامیّة والوقاف والدعوة والإرشاد، 1419هـ.ق، ص7.